وجوب إتباع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل، قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان».
قال: «هذان ابناي -أي حكمًا وابنا ابنتي؛ أي حقيقةً- اللهم إني أحبهما».. إلخ، لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل أسامة وغيره على زيادة محبتهما».
قال: «فيشمهما»، أي: فيحضران فيشمهما ويضمهما إليه؛ أي بالاعتناق والاحتضان.
قال: «إن ابني هذا سيد» فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل؛ بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة، وهو مشتق من السؤدَد، وقيل: من السواد؛ لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس، أي: الأشخاص الكثيرة، «يصلح الله على يديه»، وفي رواية البخاري وغيره: «لعل الله أن يصلح به بين فئتين»..
زاد البخاري في رواية: «عظيمتين»، قال العيني: وصفهما بالعظيمتين؛ لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين؛ فرقة مع الحسن I وفرقة مع معاوية، وهذه معجزة عظيمة من النبي ﷺ؛ حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة، مكث يوم الجمعة وليلة السبت.
وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة، وأقام الحسن أيَّامًا مفكرًا في أمره، ثم رأى اختلاف الناس؛ فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية، ولا يستقيم الأمر.
ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقِّه، فسلَّم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وقيل: من ربيع الآخر، وقيل: في غرة جمادى الأولى، وكانت خلافتُه ستةَ أشهر إلا أيامًا، وسمي هذا العام عامَ الجماعة، وهذا الذي أخبره النبي ﷺ: «لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين» انتهى.
قال: يريد ﷺ بقوله: «ابني هذا» الحسن بن علي بن أبي طالب.
قال: قوله «حسين مني وأنا من حسين»، قال القاضي: كأنه ﷺ (رأى) بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصَّه بالذكر وبيَّن أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: «أحبَّ الله من أحبَّ حسينًا»؛ فإن محبته محبة الرسول، ومحبَّة الرسول محبة الله.. «حسين سِبط -بالكسر- من الأسباط»، قال في «النهاية»: أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنـزلة القبائل في ولد إسماعيل، وأحدهم سبط؛ فهو واقع على الأمَّة، والأمة واقعة عليه. انتهى
وقال القاضي: السبط ولد الولد، أي: هو من أولاد أولادي، أكد به البعضية وقررها، ويقال للقبيلة: سبط؛ قال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [الأعراف: ١٦٠]؛ أي: قبائل، ويحتمل أن يكون المراد هاهنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة، ويكون من نسله خلق كثير؛ فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى، وكان الأمر كذلك.
قال: قوله: «لم يكن أحد منهم -أي من أهل البيت- أشبهَ برسول الله ﷺ من الحسن بن علي»؛ هذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس، قال: «أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين» الحديث، وفيه: فقال أنس: «كان -أي الحسين- أشبههم برسول الله ﷺ»، قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون أنسٌ قال ما وقع في رواية الزهري، يعني: رواية الباب في حياة الحسن؛ لأنه يومئذٍ كان أشد شبهًا بالنبي ﷺ من أخيه الحسين.
وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كلٌّ منهما كان أشد شبهًا به في بعض أعضائه؛ فقد روى الترمذي وابن حبَّان من طريق هانئ بن هانئ عن علي.
قال: «الحسن كشبه رسول الله ﷺ ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه رسول الله ﷺ ما كان أسفل من ذلك»([1])، ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه: «وكان أشبههم وجهًا بالنبي ﷺ»، وهو يؤيد حديث عليٍّ هذا. انتهى([2]).
5- حب آل البيت M بين المغالاة والمجافاة: قد يكون الحديث في هذا الأمر في هذا الوقت خاصةً مطلوبًا أكثر من أوقات مضت أو تأتي؛ ذلك أن حب آل البيت -رضوان الله عليهم جميعًا- يطفو على السطح هذه الأيام؛ التي يكثر فيها الكلام عن الشيعة ومعهم وسماعهم، والشيعة يُكثِرون من الدوران حول هذه الجزئية؛ بل يكادون يقيمون دينَهم عليها، في حين يفسدون ويغفلون أشياء أخرى أهم، فوجب علينا تبيينُ وجه الصواب في هذه المسألة؛ أي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه القضية.
وإذن فآل بيت النبي ﷺ هم الذين حرّمت عليهم الصدقة، وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وأزواج النبي ﷺ وبناته، M جميعًا؛ هذا ما اتفق عليه أهل العلم من أهل السنة والجماعة، ولا يجوز لأحد أن يزيد عليهم ولا أن ينقص منهم..
قال الإمام ابن كثير T: «ثم الذي لا شك فيه من تدبُّر القرآن أن نساء النبي ﷺ داخلات في قوله تعالى: ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾؛ فإنَّ سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾؛ أي: واعملن بما يُنزِل الله تبارك وتعالى على رسوله ﷺ في بيوتكن من الكتاب والسنة؛ قاله قتادة وغير واحد.
واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس؛ أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق L أولاهن بهذه النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة؛ فإنه لم ينزل على رسول الله ﷺ الوحي في فراش امرأة سواها.
كما نص على ذلك -صلوات الله وسلامه عليه- قال بعض العلماء T: لأنه لم يتزوج بكرًا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ﷺ وڤ؛ فناسب أن تخصص بهذه المزيَّة، وأن تفرد بهذه المرتبة العليا، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية»([3]).
والشيعة يُقصرون أهليَّة البيت على عليٍّ وبنيه، فيقعون في مخالفاتٍ، منها:
فموقف أهل السنة والجماعة من أهل البيت موقف العدل والإنصاف، يتولون أهل الدين والاستقامة منهم، ويتبرؤون ممن خالف السنة وانحرف عن الدين ولو كان من أهل البيت؛ فإن كونه من أهل البيت ومن قرابة الرسول لا تنفعه شيئًا حتى يستقيم على دين الله؛ فقد روى أبو هريرة I قال: قام رسول الله ﷺ حين أنزل عليه: ﴿ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [الشعراء: ٢١٤]، فقال: «يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بنَ عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمةَ رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنتَ محمدٍ سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا»([1])؟
والحديث: «من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه»([2]). ويتبرأ أهل السنة من طريقة الروافض الذين يغلون في بعض أهل البيت ويدَّعون لهم العصمة، ومن طريقة النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين ويطعنون فيهم، ومن طريقة المبتدعة والخرافيين الذين يتوسلون بأهل البيت ويتخذونهم أربابًا من دون الله.
فأهل السنة في هذا الباب وغيره على النهج المعتدل والصراط المستقيم، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا جفاء ولا غلو في حق أهل البيت وغيرهم. وأهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤون من الغلاة؛ فقد حرق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب I الغلاة الذين غلوا فيه بالنار، وأقره ابن عباس I على قتلهم، لكن يرى قتلهم بالسيف بدلًا من التحريق، وطلب علي I عبد الله بن سبأ رأس الغلاة ليقتله لكنه هرب واختفى([1]).
هذا، وقد قدمنا اتباع النبي ﷺ كسبب لحب الله تعالى عباده، قبل الإحسان والتقوى والخلق الإسلاميِّ؛ لأنه لا يصح إحسان ولا تقوى ولا غيرهما من أسباب حب الله للعبد إلا بعد صحة اتباع النبي ﷺ، وذلك لأن اتباع النبي ﷺ هو الإسلام والإيمان اللذان لا يصح دين غيرهما؛ فلا يمكن للمشرك ولا للذمي ولا للمرتد إحسان ولا تقوى ولا إقساط، ولا أي نوع من أنواع الخير والبر.
بل لا يقبل منه أصلًا، وإنما عمله هذا مهما زاد فهو هباء منثور ومحبط بإذن الله. فعلمنا أن اتباع النبي ﷺ هو شرط حب الله تعالى عباده الذي لا يتحصل إلا به، وأما ما عداه من إحسانٍ وغيره؛ فهي مكملات تزيد في هذا الحب الذي يوجد إن شاء الله بمتابعة النبي ﷺ. كذلك فإن محبة النبي ﷺ باب في اتباعه؛ فالله تعالى لم يشترط طاعته فقط بل ومحبته أيضًا.. فقد اشترط الشرع الحنيف طاعة المحبة لا طاعة الإجبار والبغضاء.
خلاصة هذا السبب:
1- وجوب اتباع النبي ﷺ في الدين كله، وأن ذلك أول أسباب محبة الله تعالى المسلمين؛ بل لا يصح سبب إلا من بعده.
2- محبة النبي ﷺ؛ فاتباعه ليس اتباع مكرَهٍ أو كارِه، وإنما اتباع محبٍّ مقبِل.
3- محبة أهل بيته -رضوان الله عليهم جميعًا- وخاصة من وردت فيهم الأحاديث ممن سبق ذكرهم.
(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.