الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. تحصيل محبة الله لعبده
السبب الثالث لتحصيل محبَّةِ اللهِ عبْدَه
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والجِهَادُ في سبيلِ اللهِ
فعن قتادة عن رجل من خثعم، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» الحديث([1]).
وعن أبي أمامة I قال: أتى رجل رسول الله ﷺ وهو يرمي الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له، فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله ﷺ حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له، فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: «كلمة حق تقال لإمام جائر»، قال محمد بن الحسن -في حديثه-: وكان الحسن يقول: لإمام ظالم([2]).
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: ٤].
وفي حديث الثلاثة الذين يحبُّهم الله والثلاثة الذين يبغضُهم: «ورجلٌ غزا في سبيل الله، فلقيَ العدو مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قُتِل، وأنتم تجدون في كتاب الله D: ﴿﴾»([3]). وعن عبد الله بن مسعود I قال: سألت النبي ﷺ: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قال: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين».
قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»([4]). وعن عبد الله بن سلام I قال: ذكرنا أحب الأعمال إلى الله، فقلنا: من يسأل لنا رسول الله ﷺ؟ فهبناه أن نسأله فيفردنا رجلًا رجلًا، حتى اجتمعنا عنده سار بعضنا إلى بعض فلم ندر، ثم أرسل إلينا، فقرأ علينا رسول الله ﷺ هذه السورة: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الصف: ١] إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: ٤].
قال ابن سلام: فقرأ علينا رسول الله ﷺ السورة كلها من أولها إلى آخرها. قال أبو سلمة: وقرأ علينا عبد الله بن سلام السورة من أولها إلى آخرها([5]).
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله D، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه!»([6]).
أولاً- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
سبق تعريف المعروف وتعريف المنكر، وأنَّ المَعْرُوفَ ضد المنكر والعُرْفَ ضد النكر، وأن المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حُسْنه، والمنكر: ما ينكر بهما.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة المؤمنين.. قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، وأمر من المولى D.. قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧]،
وقال: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: ٣٢]، وقال: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩]؛ ولهذا قيل للاقتصاد في الجود: معروف لما كان ذلك مستحسنًا في العقول وبالشرع؛ نحو: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦]
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٤]، ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: ٢٤١]؛ أي: بالاقتصاد والإحسان، ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: ٢]، ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: ٢٦٣]؛ أي: رد بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك، والعرف: المعروف من الإحسان([7]).
وأن عدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر رذيلة، وسبب لغضب الله تعالى، وإيذان باستبداله من هذه حالهم، وسبب لبغضه D إياهم.. قال تعالى: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: ٧٩]، وقال: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [العنكبوت: ٢٩].
وأن أصل (المعروف) كل ما كان معروفًا فعله جميلًا مستحسنًا غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفًا؛ لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله، وأصل (المنكر) ما أنكره الله ورأوه قبيحًا فعله، ولذلك سميت معصية الله منكرًا؛ لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها([8]).
وإذن فمن فرائض الإسلام (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ بل هو سمة المؤمنين والخيِّرين.. قال تعالى: ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران: ١١٠]، وقال النبي ﷺ: «من رأى منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»([9]).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب محبته سبحانه فاعلهما:
1- فعن قتادة عن رجل من خثعم، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» الحديث([10]).
فقد نص هذا الحديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضلًا عن كل فضائلهما التي ذكرناها سابقًا؛ هما أيضًا من أسباب تحصيل محبَّة الله D فاعلهما، ولمَ لا وما فتئ القرآن الكريم والسنة المشرفة يحثان عليهما، ويندبان إليهما، ويبينان فضلهما، ويزجران عن التخلي عنهما، ويتوعدان من تخلى عن ذلك باستبداله كائنًا من كان.. فردًا أو جماعة أو أمة؟!!
2- وعن أبي أمامة I قال: أتى رجل رسول الله ﷺ وهو يرمي الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله ﷺ حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة.
(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش 3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5)«أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6)«أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8)«إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9)«الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.