البؤس والتباؤس ... مانع من موانع محبة الله عبدًا
بقلم / محمد صقر
البؤس والتباؤس ... مانع من موانع محبة الله عبدًا
2- انشراح الصدر بلَذَّةٍ عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية.
3- الفرح بالحياة الدنيا؛ كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ )[الرعد: ٢٦]. والفرح في الدنيا بغير ما أُذِن لكم به من الباطل والمعاصي. والفرَح بكثرة المال في الدنيا؛ لأَن الذي يَفْرَحُ بالمال يصرفه في غير أَمر الآخرة.
4- شدة الفرح، ومجاوزة الحد فيه، والإفراط والمبالغة فيه. والفرَحُ كلما سَرَّه الدهرُ، وهو الكثير الفَرَح.
5- شدة الإقبال على ما يُفرَح به، وهي تستلزم الإعراض عن غيره؛ فصار النهي عن شدة الفرح رمزًا إلى الإعراض عن الجد والواجب في ذلك، وابتغاء الدار الآخرة وطلب نعيمها وثوابها.
6- الفخر والخيلاء والعمل في الأرض بالخطيئة، وكان ذلك في الشرك. والبغي على الناس، والكبر والتجبر عليهم. ومنه إسبال الثياب كبْرًا وعُجبًا.
7- جحود النعمة، وكفرانُها بدلًا من شكرها.
وبذا تكون معاني الفرح والاختيال متقاربة، ومن ثم تضاف هذه المعاني التي في الفرح هاهنا إلى المعاني المستخلصة في الاختيال والفخورية.
ثانيًا- البؤس والتباؤس:
هو عكس الفرح، وقال ﷺ: «إن الله D إذا أنعم على عبدٍ نعمةً يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس»([1]).
والبؤس: الفقر، والتباؤس: التمَسْكُن([2]). وقال المناوي: قال الزمخشري: والعرب تصف الشيء بفعل ما هو من سببه.. «ويبغض البؤس والتباؤس»؛ أي: تَجَنّب إظهار البؤس والفاقة([3]).
ومع أن البؤس والتباؤس ضد الفرح، فقد أثبتناه هنا للتمييز بينهما؛ فبضدها تتميز الأشياء، وأيضًا لبيان دعوة الإسلام للوسطية والاعتدال، فليس معنى كون الله تعالى لا يحب الفرحين والمختالين والمستكبرين؛ أنه يحب الضد من ذلك، أي: المتمسكنين والمتبائسين؛ بل يبغضُهم أيضًا كما في هذا الحديث، وكما في قوله تعالى -كما مر-: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: ٢٣]، وقوله تعالى -كما سيأتي-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: ٥٤].
خلاصة هذا المانع:
أن الاعتدال في هذه المسألة أن يكون متنعمًا شاكرًا للمنعم؛ فلا يهلك نفسه بالجوع والذل والقذارة، ولا يتجبر ولا يتبختر، وليأكل ولينفق ويشكر، ويرى نفسه أقلَّ من المؤمنين من الذين أنعم الله عليهم، وأفضل من الكافرين من الذين أضلَّهم الله وغضب عليهم، والمسلمون -يا للحسرة- واقعون اليوم في الطرفين المنهيِّ عنهما ومتنكبون الطريق المأمور بها، وهذا من أقوى أسباب هوانهم على الله وعلى أنفسهم وعلى الناس، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.