حكم قتل المؤمنِ الكافر غدرًا ... من هم الذين حرَّم الله دماءهم ؟
بقلم / محمد صقر
حكم قتل المؤمنِ الكافر غدرًا
لكن ينبغي أن يعلم أن كفر النعمة إذا كان وحده؛ فهو كفر أصغر غير مخرج من الملة ولا مخلدٍ في النار، ومن ثم لا يبغض الله صاحبه كما يبغض صاحب الكفر الأكبر، فيُشعِر هذا بأن الآية إما محمولة على الكفار الخائنين، أو تحذيرٌ للمؤمنين من أن يصبحوا مثلهم إذا تعاملوا بأخلاقهم، أو هما معًا.
ولا تعارض بين الأقوال الثلاثة؛ لأنه إذا كان الله لا يحب المؤمنين إن غدروا وخانوا، أو كان لا يحبهم إن كفروا النعمة؛ فمن باب أولى لا يحب الكافرين إذا اتصفوا بالخيانة وكفران النعمة؛ لأنه لا يحبهم ابتداءً على كفرهم الأول.
وقال الطاهر بن عاشور استئناف بياني جوابًا لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين ينشأ من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] الآية؛ فإنه توعد المشركين على صدهم عن سبيل الله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم.
وبشر المؤمنين المخبتين والمحسنين بما يتبادر منه ضد وعيد المشركين وذلك ثواب الآخرة. وطال الكلام في ذلك بما تبعه، لا جرم تشوَّفت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدنيا، وهل ينتصر لهم من أعدائهم أو يدخر لهم الخير كله إلى الدار الآخرة؛ فكان المقام خليقًا بأن يُطمئِنَ اللهُ نفوسهم بأنه كما أعد لهم نعيم الآخرة هو أيضًا مدافع عنهم في الدنيا وناصرهم.
وحذف مفعول (يدافع) لدلالة المقام؛ فالكلام موجَّهٌ إلى المؤمنين. ولذلك فافتتاحه بحرف التوكيد إما لمجرد تحقيق الخبر، وإما لتنـزيل غير المتردد لشدة انتظارهم النصر واستبطائهم إياه، والتعبير بالموصول لما فيه من الإيمان وجه بناء الخبر.
وأن دفاع الله عنهم لأجل إيمانهم.. فلذلك يدفع عن المؤمنين لرد أذى الكافرين؛ ففي هذا إيذان بمفعول (يدافع) المحذوف، أي: يدافع الكافرين الخائنين. والخوَّان: الشديد الخون، والخون كالخيانة: الغدر بالأمانة. والمراد بالخوَّان الكافر؛ لأن الكفر خيانة لعهد الله الذي أخذه على المخلوقات بأن يوحِّدوه، فجعله في الفطرة وأبلغه الناس على ألسنة الرسل؛ فنبَّه بذلك ما أودعهم في فطرتهم.
والكفُور: الشديد الكفر. وأفادت (كل) في سياق النفي عموم نفي محبة الله عن جميع الكافرين؛ إذ لا يحتمل المقام غير ذلك.
ولا يتوهَّم من قوله: أنه سبحانه يحب بعض الخوَّانين؛ لأن كلمة (كل) اسم جامد لا يشعر بصفةٍ؛ فلا يتوهم توجه النفي إلى معنى الكلية المستفاد من كلمة «كل»، وليس هو مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦] الموهم أن نفي قوة الظلم لا يقتضي نفي قليل الظلم([1]).
فهذا يعني أن الخيانة لا تكون من مؤمن؛ لكن أية خيانة؟ لابد أنها خيانة الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبَين أن يحملنها وحملها الإنسان، وهي القيام بأمر الله بالعبادة والخلافة في الأرض طوعًا واختيارًا، وليست خيانة الأمانات بين الناس التي هي محرَّمة شرعًا لكنها ليست كفرًا، وبهذا يتساوق هذا الفهم مع فهم العلماء لحديث: «آية المنافق ثلاث.. وإذا اؤتمن خان»([2]) أنه ليس النفاق الأكبر المخرج من الملة، ولحادثة حاطب الذي نهى رسول الله عمر عن قتله لشهوده بدرًا، وإذن تكون «كفور» توكيدًا لـ«خوَّان» وصرفًا لها إلى معنى الكفر.
تحقيق حول قتل المؤمنِ الكافرَ غدرًا:
إن تحقيق ما إذا كان قتل المؤمن الكافر غدرًا مما يمنع من حب الله تعالى فاعله -على ما يقول القرطبي والعيني- مفيدٌ جدًّا؛ خصوصًا في زماننا هذا الذي يشيع فيه القتل ويعمُّ الهَرْج.
وقد حفظ الإسلام حرمة النفس البشرية، واعتبر الاعتداء عليها من كبريات الجرائم؛ بل أتبعها من حيث التحريم بعد الشرك بالله مباشرة في كثير من النصوص، متحدِّثًا عنها بصيغة «النفس التي حرم الله» في ثلاث آيات من القرآن الكريم.. قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151،وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا والإسراء: 33].
وهذا في معرض أمر المؤمنين بما يجب عليهم من شئون الإسلام، وفي معرض الحديث عن صفات من سماهم الله «عبادَ الرحمن» يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨].
ومن خلال الوصف بـ«التي حرم الله» يتبيَّن أن النفوس قسمان: قسم حرمه الله؛ أي: حرم قتلهم، وقسم لم يحرمه؛ أي: أحل دماءهم، ويحتاج كل قسم من هذين إلى تفصيل.
مَنْ حرَّم الله دماءهم:
وهم ثلاثة أصناف؛ هي:
الأول: كل مسلمٍ غير قاتل، ولا زانٍ وهو محصن، ولا مرتد، وهذا هو مفهوم المخالفة لحديث: «لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([3])؛ أي: أن كل مسلم عدا هؤلاء الثلاثة يحرم قتله، فإن كان غير مسلم ففيه تفصيل.
الثاني: كل ذِميٍّ في حال العهد؛ لأنَّ له حالًا أخرى يصح فيها قتله، وهي أن يكون محاربًا، وهذا هو مقتضى حديث: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا»([4])، والمعاهد هو من له عهد من المسلمين؛ سواءً بأمان من مسلم، أو هدنة من حاكم، أو عقد جزية([5])، والكلام في هذا يطول ويتشعب.
الثالث: هو نفس القاتل، تحرم بقوله ﷺ: «من تردى من جبلٍ فقتل نفسه؛ فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًّا فقتل نفسه؛ فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوَجَّأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»([6])، والأحاديث في هذا كثيرة، وفيها غير هذه الأنواع؛ بل الأمر عام مهما كانت الوسيلة.. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩].
فهذه ثلاثة أصناف غلَّظ الإسلام في حرمة دمائهم: المسلم والذمي والنفس، ومن عداهم من مشركٍ أو محصنٍ زانٍ، أو قاتل من يحرم قتله، أو مرتد؛ فحلال دماؤهم ولا حرمة لدمائهم؛ إلا أن هناك تفصيلًا كثيرًا فيمن يثبت كونُه من هذه الأصناف التي تحل دماؤهم؛ فإثبات الزنا مع الإحصان والقتل والردة يحتاج إلى قضاءٍ قد يطول أمده، وإثبات الكفر يحتاج إلى إقامة الحجَّة من عالمٍ فقيه.
وما يتعلق بهذه الآية التي معنا هو قتل المعاهد؛ ولذا يكون لزامًا علينا أن نعلم ما هو العهد حتى نتقيَه، وكذا ما يلحق بالمعاهد؛ كالرسول والمستأمَن وغيرهما.
فالعهد -في العربية- بمعنى: العلم والوصية والميثاق واليمين والزمان([7]). وجميع هذه المعاني تدخل في عقد الذمة والأمان؛ فهذا العقد علمٌ بأن هذا الإنسان أو أهل هذه الجهة مؤمَّنون، وهو وصية لمن وراء معطي الأمان من قومه بتأمين من أمَّنه، وهو ميثاق بذلك العهد لا يجوز أن يُنقض إلا بما تنقض به المواثيق الغليظة، وهو يمينٌ من معطيه على ذلك كلِّه.
أما من يُعطَى له العهد والذمة: فهو بعض أهل الكتاب أو غيرهم إن توافر فيهم شرطان:
الأول: التزامهم أحكام الإسلام في الجملة.
والثاني: أن يبذلوا الجزية؛ إلا إن أسقطها عنهم الحاكم الشرعي([8]). ورسول المحاربين إلى المسلمين له حكم ذلك العهد، وكذا المستأمن له حكمه؛ وهو الحربيُّ الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الإقامة والاستيطان، وكذا الأسير له حكم العهد([9]).
وأما من يُعطِي الأمان والذمة؛ فهو كل مسلمٍ ومسلمة عدا الصبية والمجانين.. قال رسول الله ﷺ: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم»([10]).
ويترتب على عقد الأمان حفظ نفس المؤمَّن ومن في حكمه، ورقبتِهِ؛ أي: لا يُسترق، ومالِهِ؛ أي: لا يُغتصب.
(2) من تحل دماؤهم:
إن اشتراط الله تعالى في النهي عن قتل النفس بـ«التي حرم الله» يوحي بأنه ثمة نفوس أحل الله دماءها؛ أي: هي مستثناة ممن تحرُم دماؤهم، وهم خمسة أصناف:
الصنف الأول: قاتل النفس التي حرمها الله قتلًا عمدًا عدوانًا.
الصنف الثاني: الثيِّب -أي المحصن، وهو المتزوج- إذا زنى.
الصنف الثالث: من يقاتل المسلمين.
الصنف الرابع: المرتد الخارج على الجماعة؛ أي: الذي كان مسلمًا فكفر وقامت عليه الحجة بالكفر.
الصنف الخامس: المحاربون لله ورسوله المفسدون في الأرض؛ نحو قاطعي الطريق، على تفصيل فيهم.
فهذه أصناف خمسة أحل الله قتل أصحابها، والنصوص صريحة في القرآن والسنة الصحيحة بذلك.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: ١٧٨]: فهذا هو القتل العمد العدوان.
وقال ﷺ: «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنًى بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس»([11])؛ فهذا في المرتد والزاني المحصن والقاتل أيضًا. وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠]؛ فهذا فيمن يقاتلون المسلمين.
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: ٣٣]؛ فهذا في المحاربين لله ورسوله المفسدين في الأرض؛ فيختار القطع أو الصلب أو القتل، بحسب المصلحة أو بحسب نوع الإفساد، على خلاف فيه.
وواضح أن هذه الحالات الخمس ليس فيها شيء من الغدر. بل وصل الأمر بالإسلام أن اعتبر القتل غدرًا موجبًا لقتل الغادر ولو كان مجاهدًا في سبيل الله؛ ففي «موطأ مالك»: «أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيشٍ بعثه: أنه بلغني أن رجالًا منكم يطلبون العلج، حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال: مطرّس؛ يقول: لا تجفأ([12])؛ فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه».. قال مالك: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه، وليس عليه العمل.
وسئل عن الإشارة بالأمان: أهي بمنـزلة الكلام؟ فقال: نعم، وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا أحدًا أشاروا إليه بالأمان؛ لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام، وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس قال: «ما ختر قومٌ بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو»([13]).
وفي «كنز العمال» أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه؛ أنه بلغني أن رجالًا منكم يطلبون العلج، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع فقال الرجل: مترّس.. يقول: لا تخف. فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدًا فعل ذلك إلا ضربت عنقه. والعلج: الرجل الضخم من كبار العجم، وبعض العرب يطلقه على الكافر مطلقًا، والجمع علوج وأعلاج. فيه لفظ مترّس: ولكن في «الموطأ»: مطرّس. وهي كلمة فارسية بمعنى: لا تخف([14]).
وقال ابن عبد البر: ذكر مالك عن رجل من أهل الكوفة؛ أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه: أنه بلغني أن رجالًا منكم يطلبون العلج، حتى إذا أسند في الجبل وامتنع، قال رجل: مطرّس (يقول: لا تخف)، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه. قال مالك: وليس هذا الحديث بالمجتمع عليه وليس عليه العمل. قال أبو عمر([15]): قيل: إن الرجل من أهل الكوفة سفيان الثوري، ولا يبعد أن يروي مالك عن سفيان الثوري، وقد روى مالك عن يحيى بن مضر الأندلسي عن سفيان الثوري([16]).
فهذا يدل على أن الغدر لا يجوز في الجهاد فضلًا عن غيره، ولا يمنع من العمل بهذا قول مالك: «ليس بالمجمع عليه»؛ إذ الحق أحق أن يتبع، وربما أخذ المسلمون بحديث: «الحرب خدعة»([17]) لشهرته واستفاضته، ولا نرى تعارضًا بين العملين؛ إذ الخدعة في الحرب ليست بالمؤمَّن؛ أي: أنه لا يؤمَّن فيقتل، لكن قد يؤمَّن فيبلَّغ أخبارًا غير صحيحة فيبلِّغها قومه.
(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.
(11) «الأدب المفرد بالتعليقات» لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبي عبد الله (المتوفى 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني ط1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض 1419هـ.
(12) «الأربعين الصغري» لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني أبي بكر البيهقي (المتوفى 458هـ) تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري ط1 دار الكتاب العربي 1408هـ.
(13) «الأربعين النووية» لأبي زكريا محيي الدين النووي (المتوفى 676هـ) تحقيق: قصي محمد نورس الحلاق وأنور بن أبي بكر الشيخي ط1 دار المنهاج للنشر والتوزيع (ط. ت).
(14) «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» لأبي السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى 982هـ) ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت (د. ت).
(15) «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» لمحمد ناصر الدين الألباني (المتوفى 1420هـ) تحقيق: زهير الشاويش ط2 المكتب الإسلامي - بيروت 1405هـ.
(16)- «الاستذكار» لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى 463هـ) تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1421هـ.
(17)- «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى 463هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي ط1 دار الجيل - بيروت 1412هـ.