عداوة اليهود والنصارى للمسلمين .. خطر اليهود على المسلمين
بقلم / محمد صقر
عداوة اليهود والنصارى للمسلمين
أولاً- بغضُ الله تعالى عمومَ الكافرين والمشركين ومَقتُه تعالى إيَّاهم:
قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44﴾ -( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ 45 )[الروم: ٤٤، ٤٥]؛ فهذه الآية الأخيرة مجردة في عدم حب الله تعالى للكافرين؛ أي: بشتى أنواعهم ومختلف أشكال كفرهم، وذلك لأنها تقارن بين أصحاب العمل الصالح وأضدادهم، ومعلوم أن أول العمل الصالح الإيمان بالله تعالى؛ فشمل الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات بفضله، وشمل الكافرين -أيًّا كان كفرُهم- بعدله وبغضه الذي هو ضد محبته وفضله سبحانه.
من جملة الناس الذين يصدَّعون يوم القيامة، بمعنى: يتفرقون ويصدرون أشتاتًا ليروا أعمالهم، أو يتفرقون فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير؛ ويعاقب هو بنفسه، لا تزر وازرة وزر أخرى.
من الحقوق التي لله والتي للعباد الواجبة والمستحبة؛ لا لغيرهم ؛ أي: يهيِّئون، ولأنفسهم يعمرون آخرتهم، ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورًا على أعمالهم؛ بل يجزيهم الله من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه أعمالهم، وذلك لأنه أحبهم، وإذا أحب الله عبدًا صبَّ عليه الإحسان صبًّا، وأجزل له العطايا الفاخرة، وأنعم عليه بالنعم الباطنة والظاهرة. وهذا بخلاف الكافرين؛ فإن الله لما أبغضهم ومقتهم عاقبهم وعذبهم، ولم يزدهم كما زاد من قبلهم ([1]).
ومما يدل على أن هذه الآية في عموم الكافرين بشتى أنواعهم الجمع والتعريف في لفظ (الكافرين)؛ فـ«الكافرون» جمع «كافر»، وهو غير المؤمن عمومًا، وله أنواع كثيرة.. أكثرها شهرة جحود ربوبية الله تعالى، أو ألوهيته، أو الرسالة، أو الشريعة؛ مثال الصنف الأول: الملاحدة من الشيوعيين والدهريِّين، ومثال الصنف الثاني: مشركو قريش، ومثال الصنفين الثالث والرابع: هؤلاء واليهود والنصارى ممن لم يؤمنوا بنبوة النبي الخاتم ﷺ؛ فيصح أن هؤلاء جميعًا تشملهم هذه الآية الكريمة، والله أعلم.
أي أن الله تعالى لا يحب الملاحدة والدهرية، ولا المشركين، ولا اليهود والنصارى، ولا من ارتد بعد إسلام.. إلى آخر أنواع الكفَّار وأقسامِهم.
ويدلُّ على بغض الله تعالى الكافرين قوله تعالى أيضًا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾ [فاطر: ٣٩]، وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴿١٠﴾ ﴾ [غافر: ١٠].
غضبًا وبغضًا([2]) أي: نقصًا وهلاكًا، والمعنى: أن الكفر لا ينفع عند الله حيث لا يزيدهم إلا المقت، ولا ينفعهم في أنفسهم حيث لا يزيدهم إلا الخسار([3]). كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله تعالى، وكلما استمروا فيه خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بخلاف المؤمنين، فإنهم كلما طال عمر أحدهم وحسن عمله؛ ارتفعت درجته ومنـزلته في الجنة، وزاد أجره، وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين([4]).
وقال السيوطي: أخرج عبد بن حُميد عن الحسن I في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ[غافر: ١٠] قال: إذا كان يوم القيامة فرأوا ما صاروا إليه؛ مقتوا أنفسهم، فقيل لهم: لمقت الله إياكم في الدنيا، إذ تُدْعَون إلى الإيمان فتكفرون؛ أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، قال: مقتوا أنفسهم لما دخل المؤمنون الجنة وأُدخلوا النار، فأكلوا أناملهم من المقت؛ قال: ينادون في النار: لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون؛ أكبر من مقتكم أنفسكم في النار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد يقول: لمقت الله أهل الضلالة حين يعرض عليهم الإيمان في الدنيا، فتركوه وأبَوْا أن يقبلوا؛ أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عايَنوا عذاب الله يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن زر الهمداني، قال: هذا شيء يقال لهم يوم القيامة حين مقتوا أنفسهم؛ فيقال لهم: قال: مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة([5]).
وعن قتادة عن رجل من خثعم، قال: أتيت النبي ﷺ وهو في نفر من أصحابه، قال: قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «إيمانٌ بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم صلة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»([6]).
ففي هذا الحديث أن أبغض الأعمال إلى الله تعالى الإشراك به سبحانه، وهو اتخاذ الأنداد أو إشراكهم مع الله تعالى في العمل، وهذا موافق لنصوص الشرع الشريف؛ إذ ليس بعد الكفر والشرك ذنب؛ فإذا كان الله سبحانه يبغض الذنوب، فهو لأعظمها وهو الشرك أشدُّ بغضًا.. فعن عبد الله قال: سألت النبي ﷺ: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك»([7]).
ثانيًا- بغضه تعالى الكافرَ المُعرِضَ عن طاعته تعالى وطاعة رسوله r:
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ31)*(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ 32 ﴾ [آل عمران: ٣١، ٣٢].
أي: قل يا محمد: إن كنتم حقًّا تحبون الله فاتبعوني لأني رسوله؛ يحبَّكم الله ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾؛ أي: باتباعكم الرسول وطاعتكم لأمره يحبُّكم الله ويغفر لكم ما سلف من الذنوب([8]).
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾؛ أي: أطيعوا أمر الله وأمر رسوله، ﴿إِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: أعرضوا عن الطاعة، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾؛ أي: لا يحب من كفر بآياته وعصى رسله؛ بل يعاقبه ويخزيه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم: ٨]([9]).
قال ابن كثير: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»([10])
ولهذا قال: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إيَّاه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول؛ كما قال بعض العلماء والحكماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ([1]).
قال: ثم قال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾؛ أي: باتباعكم لرسول الله يحصل لكم هذا من بركة سفارته، ثم قال تعالى آمرًا لكل أحدٍ من خاصٍّ أو عام: ﴿إِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: تخلفوا عن أمره. ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾؛ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محبٌّ لله ويتقرَّب إليه؛ حتى يتابع الرسول النبيَّ الأمي خاتم الرسل، ورسوله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء، بل المرسلون، بل أولو العزم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته([2]).
وأبرز من ادعوا محبتهم لله، بل محبة الله إيَّاهم؛ هم اليهود والنصارى لعنهم الله؛ فهذه فرية: أن يدعي الكافرون -أو صنف منهم- أن الله يحبُّهم.. قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [المائدة: ١٨]؛ فقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ ردٌّ على دعوى حب الله إياهم، وقوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ ردٌّ على دعوى أنهم أبناء الله -تعالى الله عما يصفون علوًّا كبيرًا.
ويجوز أن يكون ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ﴾ ردًّا على الدعويين، وكذلك ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ﴾؛ أي أنكم مجرد بشر ممن خلق، لا يحبكم الله إلا بحصول الأسباب وانتفاء الموانع التي جعلها أسبابًا وموانع لحصول محبته تعالى عبادَه.
هذا، وتشيع في زماننا دعوى الناس محبة الله إياهم؛ فنسمع بعضَهم يقول: (إن الله يحبني)؛ وقد يكون تعليقًا على كونه أفلت من قدر كاد يحل به أو حلَّ بغيره، مع أنه قد يكون من حل به هذا القدر أحبَّ إلى الله؛ لأنه قد يكون ابتلاءً، وسيأتي أن من علامات محبة الله العبد ابتلاءه إيَّاه.
غير أنه ليس كل من يدعي حب الله تعالى إيَّاه كاذبًا، بل قد يصدق بعضُهم؛ لكن يجب عدم تزكية النفس بهذا الفضل العظيم. كذلك فإن قول القائل: إن الله يحبني. ليس مذمومًا بإطلاق، وإنما قد يمدح إذا جاء في محلِّ الشكر، والله أعلم.
يقول العلامة السعدي T: هذه الآية([3]) هي الميزان؛ التي يُعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة؛ فعلامة محبة الله اتباع محمد ﷺ الذي جعل متابعته وجميع ما يدعو إليه طريقًا إلى محبته ورضوانه؛ فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنَّة، وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما؛ فمن فعل ذلك أحبَّه الله وجازاه جزاء المحبين، وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه؛ فكأنه قيل: ومع ذلك ما حقيقة اتباع الرسول وصفتها؟ فأجاب بقوله: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ٣٢].. ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ بامتثال الأمر واجتناب النهي ([4]).
و«الكافرون» جمع «كافر» وهو اسم فاعل؛ أي: فاعل الكفر.. يفعله بأي نوع من أنواعه.. كان شركًا أو نفاقًا أو تهوُّدًا أو تنصُّرًا أو ردةً.. إلخ، أو يفعله بأية جزئية من جزئياته؛ لأنه ليس بالضرورة أن يكون الكفر مجتمعًا كله في إنسان حتى يكون كافرًا أو حتى يكون غيرَ محبوبٍ لله تعالى؛ فتكفي جزئية واحدة من تلك الجزئيات؛ كالكفر بملَك من الملائكة، أو بكتاب من الكتب، أو ببعض الكتاب، أو برسول من الرسل..
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: ٨٥].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا 150 ** (أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا 151) [النساء: ١٥٠، ١٥١].
يدل هذا كله على أن الكفر فعلٌ بمحض إرادة فاعله.. قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: ١٤]. وهذه الآية تدل على أن الكفر وحده -وهو هنا الإعراض عن طاعة الله ورسوله- مانع من حب الله تعالى عبدَه المتصف بتلك الرذيلة؛ لأن الله جمع الكفر مع الخيانة مرةً، ومع الإثم مرةً كمانعٍ من محبته تعالى صاحبَها؛ لكن هاهنا أفرد الكفر عما يلتبس به من الذنوب، وجمع الكافرين كلَّهم فلم يستثن منهم أحدًا، والله أعلى وأعلم.
(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.