المانع الثالث عشَر و الرابع عشر من محبَّة اللهِ عبْدًا ... موبقات الأسواق .. جُملة أخلاق تخص أناسًا بصفاتهم

المانع الثالث عشَر و الرابع عشر من محبَّة اللهِ عبْدًا

المانع الثالث عشَر من محبَّة اللهِ عبْدًا

موبقات الأسواق

من ربًا، وغشٍّ، وأيمانٍ كاذبة، وإخلاف وعدٍ، وإعراضٍ عن ذكر الله

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «أَحَبُّ البِلَادِ إِلَى الله مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلَادِ إِلَى الله أَسْوَاقُهَا»([1]).

قال النووي T: قوله: «وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»؛ لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه. والحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر، أو فعله ذلك بمن أسعده أو أشقاه، والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها([2]).

خلاصة هذا المانع:

أن أبغض بلاد الله تعالى إليه أسواقها؛ لما يروج فيها وبسببها من ربًا وغشٍّ وخداع، وأيمان كاذبة، وإخلاف للوعد، وإعراض عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.


المانع الرابعَ عشَر من محبَّة اللهِ عبْدًا

جُملة أخلاق تخص أناسًا بصفاتهم

زنى الشيخ، وكذب الملك، وكثرة حلف التاجر والبيَّاع

روى البخاري عن أبي هريرة I قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماءٍ بالطريق يمنعُ منه ابنَ السبيل، ورجلٌ بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه؛ إن أعطاه ما يريد وَفَى له وإلا لم يفِ له، ورجلٌ بايعَ رجلًا بسلعةٍ بعد العصر، فحلَف بالله لقد أَعطى بها كذا وكذا فصدَّقه فأخذها، ولم يُعطِ بها»([1]).

قال الحافظ في «الفتح»: قوله: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة»، زاد جرير عن الأعمش: «ولا ينظر إليهم»، وسقط من روايته: «يوم القيامة».. قال: وفي رواية عبد الواحد: «لا ينظر الله إليهم يوم القيامة»، وسقط من روايته: «ولا يكلمهم»، وثبت الجميع لأبي معاوية عن الأعمش عند مسلم([2]) على وفق الآية التي في آل عمران([3])، وقال في آخر الحديث: ثم قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٧]، يعني إلى آخر الآية.

قال: أخرج مسلم([4]) هذا الحديث من رواية الأعمش أيضًا؛ لكن عن شيخٍ له آخر بسياق آخر، فذكر من طريق أبي معاوية ووكيع جميعًا عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة كصدر حديث الباب؛ لكن قال: «شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذَّاب، وعائلٌ مستكبِر»([5])، والظاهر أن هذا حديث آخر أخرجه من هذا الوجه عن الأعمش؛ فقال عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، عن النبي ﷺ قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنَّان الذي لا يُعطي شيئًا إلا منَّه، والمنفِق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره»([6])، وليس هذا الاختلاف على الأعمش فيه بقادح؛ لأنها ثلاثة أحاديث عنده بثلاثة طرق.

قال: ويجتمع من مجموع هذه الأحاديث تسع خصال، ويحتمل أن تبلغ عشرًا؛ لأن المنفق سلعته بالحلف الكاذب مغايرٌ للذي حلف لقد أعطى بها كذا؛ لأن هذا خاصٌّ بمنْ يكذب في أخبار الشراء، والذي قبله أعم منه فتكون خصلة أخرى([7]).

فهذه الخصال هي: رجل على فضل ماءٍ بالطريق يمنعُ منه ابنَ السبيل، ورجلٌ بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وَفَى له وإلا لم يفِ له، ورجلٌ بايعَ رجلًا بسلعةٍ بعد العصر فحلَف بالله لقد أَعطى بها كذا وكذا، فصدَّقه فأخذها ولم يُعطِ بها، وشيخٌ زانٍ، وملكٌ كذَّاب، وعائلٌ مستكبِر، والمنَّان الذي لا يُعطي شيئًا إلا منَّه، والمنفِق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره.

وسنقتصر في الكلام على الصفات التي تمنع صاحبها من محبَّته تعالى بصريح النصوص، وهي:

(1) الزنى من الشيخ:

قال النبي ﷺ: «أربعة يبغضهم الله D»، وذكر منهم «الشيخ الزاني»([8]). وقال: «إن الله D يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة؛ يبغض الشيخ الزاني»([9]). وفي حديث الثلاثة الذين يحبهم الله والثلاثة الذين يبغضهم: «والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني»([10]).

(أ) حد الشيخ: قال الفيومي: الشَّيْخُ فوق الكهل، وجمعه شُيُوخٌ وشِيخَانٌ -بالكسر- وربما قيل: أَشْيَاخٌ وشِيخَةٌ مثل غِلْمة، والشَّيْخُوخَةُ مصدر شَاخَ يَشِيخُ، وامرأة شَيْخَةٌ، والمَشْيَخَةُ اسم جمع للشيخ، وجمعها مَشَايِخُ([11]). وقال الفيروزابادي: الشَّيْخُ والشَّيْخُونُ من اسْتَبانت فيه السِّنُّ، أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين.. وشاخ يشِيخ شَيَخًا -محرَّكة- وشُيُوخَةً وشُيوخِيَّة وشيخوخة وشيخوخيَّة، وشَيَّخ تَشْييخًا وتَشَيَّخَ([12]). وقال الراغب: يقال لمن طعن في السن: الشيخ، وقد يعبَّر به فيما بيننا عمن يكثر علمُه؛ لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربُه ومعارفُه، ويقال: شيخٌ بيِّن الشيخوخة والشيخ والتشييخ.. قال الله تعالى: ﴿ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [هود: ٧٢]، ﴿ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [القصص: ٢٣]([13]).

وقال المباركفوري: يحتمل أن يراد بـ«الشيخ» الشيبة ضد الشاب، وأن يراد به المحصَن ضد البِكر، كما في الآية المنسوخة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم)([14]).


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.
(11) «الأدب المفرد بالتعليقات» لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبي عبد الله (المتوفى 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني ط1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض 1419هـ.
(12) «الأربعين الصغري» لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني أبي بكر البيهقي (المتوفى 458هـ) تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري ط1 دار الكتاب العربي 1408هـ.
(13) «الأربعين النووية» لأبي زكريا محيي الدين النووي (المتوفى 676هـ) تحقيق: قصي محمد نورس الحلاق وأنور بن أبي بكر الشيخي ط1 دار المنهاج للنشر والتوزيع (ط. ت).
(14) «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» لأبي السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى 982هـ) ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت (د. ت).

بقلم / محمد صقر 


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.