التقوى .. السبب الثامن للحصول على محبة الله لعبده

معنى التقوى

التَّقْوى مصدرٌ على وزن فَعلى، وأصلُه وَقْوَى فقلبت الواوُ تاءً، من وَقَيْته أقِيه؛ أي مَنَعْته، ورجلٌ تَقِيٌّ؛ أي خائف، أصلُه وَقِيٌّ، وكذلك تُقَاة كانت في الأصل وُقَاةً، كما قالوا: تجاه وتُراث، والأصل وجاه ووراث.

وعن فهم الصحابة M للتقوى جاء أن عُمَرَ سأل أُبَيًّا L عن التقوى؛ فقال أُبَيٌّ: هل أخذتَ طريقًا ذاتَ شوْكٍ؟ قال: نعم؛ قال: فما عمِلتَ فيه؟ قال: تشمَّرْتُ وحذرت؛ قال: فذاك التقوى. وأخذ ابن المعتز هذا المعنى فنظمه في قوله:

خَـلِّ الذنـوبَ صغيـرها وكبيـرها، ذاك التُّـقـى

واصنعْ كماشٍ فـوق أرضِ الشـوْكِ يحـذَرُ مـا يَـرى

لا تحقــرنَّ صغيــرةً إن الجِبَـال مـن الحَصـى #تنسيق شعر#

ورُوِي عن عليٍّ I أنه قال: التقوى هي: «الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل»، وهذا من جماع القول، وفقه الصحابة.

وقيل لأبي الدرداء I: إن أصحابَك يقولون الشِّعْرَ وأنت ما حُفِظ عنك شيء؛ فقال:

يريـد المرءُ أن يُؤْتَـى مُنـاه   ..  ويــأبى اللهُ إلا مـا أرادا

يقول المـرءُ فائِدَتي ومـالي  .. وتَقْوَى اللهِ أفضـل ما استفادا #تنسيق شعر#

وروي عن ابن مسعود I أنه قال يومًا لابن أخيه: يا ابنَ أخي، ترى الناس ما أكثرهم؟ قال: نعم. قال: لا خَير فيهم إلا تائب أو تقيٌّ. ثم قال: يا ابنَ أخي، ترى الناس ما أكثرهم؟ قلت: بلى؛ قال: لا خير فيهم إلا عالمٌ أو متعلم.

وأما عن فهم العلماء للتقوى؛ فقد قال أبو يزيد البسطامي: المتَّقِي من إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله. وقال أبو سليمان الداراني: المتَّقُون الذين نزَع اللهُ عن قلوبهم حبَّ الشهوات([1]).

وقال القُرْطبي -في تفسيره-: التقوى فيها جماع الخير كلِّه، وهي وصيَّة الله في الأوَّلين والآخرين، وهي خيرُ ما يستفيده الإنسان([2]).

وقال الإمام الراغب: الوِقايةُ حفظُ الشيء مما يُؤذيه ويَضُرُّه. يقال: وقيت الشيء أقيه وقايةً ووقاءً. قال تعالى: ﴿ﭼ ﭽ﴾ [الإنسان: ١١]، ﴿ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [الدخان: ٥٦]، ﴿ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ﴾ [الرعد: ٣٤]، ﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [الرعد: ٣٧]، ﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [التحريم: ٦]، والتَّقوى جعْلُ النفس في وقايةٍ مما يُخاف، هذا تحقيقه، ثم يُسمَّى الخوفُ تارةً تقوى والتقوى خوفًا حسب تسمية مقتضَى الشيء بمقتضِيه والمقتضِي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارُف الشرع حفظ النفس عما يؤثم.

وذلك بترك المحظور؛ ويتم ذلك بترك بعض المباحات لِما رُوِي: «الحلال بيِّنٌ والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيقٌ أن يقع فيه»([3]). قال الله تعالى: ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [الأعراف: ٣٥]، ﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [النحل: ١٢٨]، ﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [الزمر: ٧٣].

ولجعْل التقوى منازِلَ قال: ﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [البقرة: ٢٨١]، ﴿ﭓ ﭔ﴾ [النساء: ١]، ﴿ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [النور: ٥٢]، ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [النساء: ١]، ﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [آل عمران: ١٠٢].. ويقال: اتَّقى فلانٌ بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، وقوله: ﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الزمر: ٢٤] تنبيهٌ على شدَّةِ ما ينالهم، وأن أجدَر شيء يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوهُهُم، فصار ذلك كقوله: ﴿ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [إبراهيم: ٥٠]، ﴿ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [القمر: ٤٨] ([4]).

وقال الله سبحانه في مطلع سورة البقرة: ﴿ﭑ * ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ * ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ * ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة: ١-٥]. وقال تعالى -في نفس السورة-: ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [البقرة: ١٩٧].

وإذن فالتقوى هي: الإيمان، ويدخُل فيه الإسلام؛ لأنه يشتُرَط أن يؤمن بالنبي ﷺ والقرآن الكريم والسنَّة، وأن يؤمِن بجميع الأنبياءِ والكتب، وأن يؤمن بالملائكة واليوم الآخر والقدر خيرِه وشرِّه، وكل ذلك يستفادُ من الإيمان بالغَيْب، وخصَّ الآخرة بالذكر لأهميَّتِها.

ومن التقوى أيضًا إقامةُ الصلاة، وما دام يؤمن بالنبي ﷺ؛ فإقامتُها على ما بيَّن ﷺ، والإنفاق، وفُصِّل بعد ذلك بالزكاة بشروطها ومقاديرها وأوقاتها.

فإن قال قائلٌ لم يذكر الصومَ والحجَّ وهما ركنانِ من أركان الإسلام جاحِدُهما كافر، وهو غير متَّقٍ بالضرورة؛ قلنا: لقد ألمح إليهما بما يوحي بالإحالة إلى موضعِهما بقوله تعالى: ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾؛ فإنه أنزَل إليه في نفس السورة: ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [البقرة: ١٨٣]؛ فبيَّن سبحانه أن الصوم داخل في التقوى. وفي الحج قال سبحانه: ﴿ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [البقرة: ١٩٧]؛ فأدخل الحج أيضًا في باب التقوى.

فإن قيل: لِم أُخِّرا عن مطلع السورة؟ قلنا -والله أعلم بمرادِه-: لتفصيلاتٍ تخصُّهُما كثيرةٍ جاءت في موضعيهما، حيث ذكر في الصيام خمس آياتٍ، وفي الحج خمس آياتٍ، وهذه الآيات العشر لو جاءت في الحديث عن التقوى كانت ستُبِعد عن المقصود الظاهر لنا في مطلع السورة؛ وهو تبيين فئاتِ الناس وانقسامهم إلى متقين وكفار ومنافقين؛ فالمتقون واضحون في أخذِهم ما آتاهم الله، والكفار واضحون في تركهم ذلك، والمنافقون حقيقةً مع الكفار وظاهرًا مع المؤمنين، ولِذا تحدَّث القرآن الكريم عن المتقين في أربع آياتٍ، وعن الكفار في آيتين، وعن المنافقين في ثلاث عشرة آية. والله أعلى وأعلم.

أولاً- التقوى بمعنى أداء الأمانة والوفاء بالعهد:

قال تعالى: ﴿ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ * ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [آل عمران: ٧٥، ٧٦].

قال الإمام الطبري: فإن قال قائلٌ: وما وجهُ إخبار الله D بذلك نبيه ﷺ، وقد علِمتَ أن الناس لم يزالوا كذلك؛ منهم المؤدي أمانتَه والخائنُها؟ قيل: إنما أراد جل وعز بإخباره المؤمنين خبرهم -على ما بيَّنه في كتابِه بهذه الآيات- تحذيرَهم أن يأتمنوهم على أموالهم، وتخويفَهم الاغترار بهم لاستحلال كثير منهم أموالَ المؤمنين؛ فتأويل الكلام: ومن أهل الكتاب الذي إن تأمَنْه يا محمد على عظيم من المال كثير يؤدِّه إليك ولا يخنْك فيه، ومنهم الذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه فلا يؤدِّه إليك إلا أن تُلِح عليه بالتقاضي والمطالبة.

قال: يعني بذلك -جلَّ ثناؤه- أنَّ من استحلَّ الخيانة من اليهود وجحود حقوق العربيّ التي هي له عليه؛ فلم يؤدِّ ما ائتمنه العربي عليه إلا ما دام له متقاضِيًا مطالبًا من أجل أنه يقول: لا حرج علينا فيما أصَبْنا من أموال العرب، ولا إثم؛ لأنهم على غير الحق وأنهم مشركون.. يعنون مَن ليس مِن أهل الكتاب. وقال صعصعة: قلت لابن عباس: إنَّا نغزو أهل الكتاب فنصيب من ثمارهم؟ قال: وتقولون كما قال أهل الكتاب: ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾([1])!!

وقال الشوكاني: عن عكرمة في قوله: ﴿ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ قال: هذا من اليهود. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ يقول: اتقى الشرك؛ ﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ يقول: الذين يتقون الشرك، وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «من حلَفَ على يمينٍ هو فيها فاجِرٌ ليقتَطِع بها مالَ امرئٍ مسلِم؛ لقِيَ اللهَ وهو عليه غضبان».

فقال الأشعث بن قيس: فِيَّ والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدَني فقدَّمتُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال لي رسول الله ﷺ: «ألك بينة؟» قلت: لا؛ قال لليهودي: «احلِف»، فقلت: يا رسول الله، إذن يحلِفُ فيذهب مالي؛ فأنزل الله: ﴿ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [آل عمران: ٧٧] إلى آخر الآية([2])، وقد رُوِيَ أن سبب نزول الآية أن رجلًا كان يحلِفُ بالسُّوق: لقد أعطى بسلعته ما لم يُعْطِ بها([3]).

وكنا قد تحدَّثنا -في الباب السابق- عن أن الغدرَ والخيانة مانعان من محبَّة الله تعالى عبادَه المتصفين بهما، وهذه الآية تأكيدٌ على هذا المعنى بمفهوم المخالفة؛ حيثُ جعلت من أسباب محبة الله تعالى الوفاءَ بالعهد، وفي ﴿ﯥ ﯦ﴾ في هذه الآية قولان:

الأول: أنَّ الضمير عائدٌ على الله سبحانه، ويعني أن هذه المحبَّة راجعة إلى التقوى بمفهومها العامِّ الذي أوضحناه في البداية.

الثاني: أن الهاء عائدةٌ على الموفِي؛ فيكون معنى قوله: ﴿ ﯧ﴾ راجعًا إلى الوفاء خاصَّة؛ أي أن الوفاء بالعهد من التقوى هو سبب محبة الله تعالى عبدَه.

كذلك يصح أن يكون «واتقى» منفصلًا عما قبله؛ أي: حكمًا وحدَه، ويصحُّ أن يكون بنفس المعنى، فيقال: المتقي غير الموفي أو هو نفسُه. ولا أرى ثمَّة خلافًا؛ فالذي يوفي مرةً بعهده يوفي كل مرَّة وهو نفسه المتقي؛ فإن كان هناك موفٍ غيرَ متق كالكافر مثلًا؛ فلا يدخل في هذه الآية، وليس من أحباء الله؛ بل إنَّه لا كافر موفٍ أبدًا؛ لأنَّه لو كان مُوفِيًا لأوفى لله بدَينِهِ عليه من الإيمان به والإسلام لَه، وقد رأَينا زعماء الكفر: أبا جهلٍ والعاص بن وائل وغيرَهما يعْتَدُون ويخونون الأمانات ويخلُفون الوعود ويسرقون التُّجَّارَ بمكة.

وإذن فهذه آيةٌ جامعة في التقوى التي هي سبب محبَّةٍ من الله تعالى لعباده الأوفياء لله وللناس.

ثم إن هاتين الآيتين وما بعدهما تبيِّن أن المتقين قسمان:

القسم الأول: غير مدانين؛ فلا يمنعون أموالهم لا في سرَّاء ولا في ضراء، ولا يغلبُهم غضبُهم وغيظهم فيعتدون على خلق الله، ويعفون عن المسيئين إليهم، وهؤلاء هم القسم الأول من المتقين، وهم المحسنون. والقسم الثاني: هم الذاكرون لله إثر كل جريرةٍ يقترفونها؛ فيستغفرونه سبحانه لذنوبهم، ولا يصرِّون على ما فعلوا ولا يكابِرون ولا يدعون أنه الحقُّ، وأنهم لا يقبضون أيديهم بحجة أن المال مالهم، ولا يبطشون بالناس لأنهم يستأهِلون ذلك، والله أعلم.

ثانيًا- التقوى بمعنى الوفاء بعهد المعاهدين من المشركين:

قال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ * ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ * ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ * ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [التوبة: ١-٤].

بيَّنت هذه الآيات مكانةَ العهد في التقوى وفي محبة الله تعالى، وقطعت الطريق على من تسوِّل له نفسُه الغدر بالمشركين لكونهم مشركين، فربى الله المتقين على أتم الأخلاق مهما كان من يتعاملون معهم.. كانوا مؤمنين أو ذميِّين أو مشركين، فالأخلاق لا تتجزَّأ.

وقد أوردنا في الباب الأول في أن الخيانة مانع من محبة الله تعالى آيةً توضِّح أن خيانة المشركين أنفسهم والغدر بهم خيانةٌ لا يحب الله سبحانه فاعلَها، وهي قوله تعالى: ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [الحج: ٣٨]؛ فانظر -هداني الله وإيَّاك- إلى انسجام آياتِ القرآن الكريم، ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النساء: ٨٢].

وجملة ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ تذييلٌ في معنى التعليل للأمر بإتمام العهد إلى الأجل بأن ذلك من التقوى؛ أي: من امتثال الشرع الذي أمر الله به؛ لأن الإخبار بمحبَّة الله المتقين عقِب الأمر كنايةٌ عن كون المأمور به من التقوى([4]).

وقد نقلنا -في الباب السابق- قوله تعالى في سورة الحج (الآية 38)، وفي سورة الأنفال (الآية 58)، وأن الأُولَى نزلت في إرادة المؤمنين بمكة قتل المشركين -بحسب ما قال القرطبي والعيْني- وأن الثانية نزلت في حال المسلمين وبني قريظة والمسلمين بعد الأحزاب، فراجعه إن شئت.

ثالثًا- الوفاء للأوفياء من دون الغادرين:

قال تعالى: ﴿ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ * ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [التوبة: ٥-٧].

فقد كانت قبائل العرب كلُّها رغِبت في الإسلام فأسلموا في تلك المدة([5])، فانتهت حُرْمة الأشهر الحرم في حكم الإسلام.

وانسلاخ الأشهر انقضاؤها وتمامها، وهو مطاوِع سلَخ. والحُرُم جمع حرامٍ، وحرامٌ صِفة؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرَّمٌ ورجَب


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).

بقلم / محمد صقر


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.