مصر واتفاق الخرطوم ومياه النيل .. بقلم السفير علاء عبد العليم
دون خوض فى التاريخ المعروف بين مصر وإثيوبيا أو علاقات كل منهما بدول الجوار والمنطقة- والذى نأمل أن يتحول إلى شراكة وتكامل- وامتداداً لاهتمامات بالموضوع وظيفياً منذ عام 1973 وإعلامياً منذ عام 2011 ، فإنني لدواع ستتضح من خلال هذا المقال، أرجو أن ألقى المزيد من الضوء وأعرض المزيد من الشرح والتحليل فيما يخص الاتفاق الثلاثي الموقع فى الخرطوم فى 23 مارس 2015 بشأن السد الذى تقيمه إثيوبيا (وما زالت منذ العام 2011) وعلاقته بدور مصر فى الإقليم والمنطقة.
أولاً: سٌمى الاتفاق بأنه «اتفاق على إعلان مبادئ بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان بشأن مشروع سند النهضة الإثيوبي الكبير» والاتفاق بهذا المعنى طبقاً لمفهوم القانون الدولي العام هو اتفاق إطاري عام المضمون- مثله فى ذلك مثل الاتفاقية الدولية لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية العابرة للحدود عام 1997 - ويجب لتطبيق مبادئه على مشروع السد أن تلتزم الدول الثلاث المشتركة فى حوضه عن طريق اتفاق أو اتفاقات لاحقة تراعى خصوصية النهر.
بنصوص قانونية محددة تبين وبشكل قاطع مدى ومحل هذه الالتزامات وتواريخ تنفيذها. وهو على هذا النحو يعتبر فى رأيي التزامًا بوسيلة وهى المبادئ العامة، وليس التزامًا بنتيجة وهى الالتزامات المحددة- على نحو ما يعرفه الفقه القانوني بصفة عامة – خاصة أن إثيوبيا ومنذ الإعلان الأول عن المشروع دأبت على موالاة إدخال العديد من التعديلات والإضافات الجوهرية بحيث يأبى العقل والمنطق والفكر القانوني أن يعترف بأن التوقيع على اتفاق المبادئ هذا، هو توقيع على شيك على بياض بالالتزام بالموافقة على إقامة السد بكل الأوصاف والإضافات التي لحقته، والتي لم تستشر أو توافق عليها مصر قبل الشروع فى تنفيذها.
ثانياً: أن مصر أعلنت وكررت دائماً ومنذ زمن بعيد موقفها الثابت والمدعم قانوناً وعرفاً وسلوكاً والمبين لحقوقها المائية القانونية والرافض لأى مساس بها، وهو ما ظهر جلياً برفضها التوقيع على اتفاقية عتيبي لعام 2010، فى الوقت الذى تمضى فيه إثيوبيا فى اتباع منهج وسياسة فرض الأمر الواقع بالمخالفة للأعراف والقواعد القانونية الدولية المستقرة. ولعل آخر هذا المنهج وتلك السياسة هو عدم تقيدها حتى باتفاق الخرطوم الثلاثي وعلى الأخص فى جوانب من البنود 1، 4، 5، 7.
ويترتب على استمرار ثبات الموقف المصري ووضوح حقيقة الطبيعة القانونية لاتفاق الخرطوم، عدم إمكانية تفسير هذا الاتفاق على أنه رضا أو موافقة لاحقة تغير من المركز القانوني المصري لصالح الادعاءات والموقف الإثيوبي.
ثالثاً: طبقاً لخبرات التفاوض الدولي، ومع استمرارنا فى عملية التفاوض الضاغط مع إثيوبيا، وبالتوازي معها، فهناك أهمية كبرى فى المرحلة الحالية لمواصلة وتكثيف السعي لتكتل رأى عام إقليمي ودولي رسمي وشعبي لتفهم الأبعاد الحياتية والقانونية لقضيتنا المصيرية مع استغلال حقيقة أن غالبية القواعد القانونية الدولية فى موضوع الأنهار الدولية العابرة للحدود والسدود المقامة عليها- وهى فى صالحنا- هي فى الأصل قواعد عرفية دولية مستقرة وبالتالي يجب العمل على احترامها بمعرفة جميع دول المجتمع الدولي أو على الأقل عدم القيام بأي موقف أو سلوك يعرقلها.