مسؤوليتنا المشتركة تجاه وطننا .. بقلم د. شوقي علام مفتي الجمهورية
حثَّ الإسلام المسلمين على ضرورة تحمل المسؤولية فى كل شؤونهم، ولم يفرق بين أحد وأحد؛ بل وضع الجميع أمام المسؤولية المنوطة بهم، كل حسب قدراته ووظيفته فى الحياة، فكل فرد مسلم يعتبر راعيًا ومرعيًّا فى وقت واحد، عليه واجبات يجب أن يؤديها لأهلها، وله حقوق يجب أن تؤدى إليه؛ وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك فى قوله: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ فى أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ فى مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».
فالمسؤولية درجات، تبدأ بمسؤولية الإنسان تجاه نفسه، فكل إنسان مسؤول بالدرجة الأولى عن نفسه فى مسألة تربيتها وتزكيتها وإصلاحها، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»، وسيحاسب يوم القيامة عن عمله وعمره وماله وشبابه، وعلى كل نعمة سخرها الله له ليقوم بدوره وبمسؤوليته، وهناك المسؤولية الأسرية، لأن أسرتنا وأولادنا أمانة، يجب أن نقيهم سبل الهلاك، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ »، وهناك أيضًا المسؤولية الاجتماعية التى تقع على عاتق المجتمع ككل وهكذا.
ولقد أرسل الله تعالى رسله للناس كافة، ليعلموهم ويرشدوهم إلى معانى المسؤولية وكيفية تحملها، ولكى يستعد كل إنسان لتحملها، كل حسب دوره وموقعه وتأثيره وعمله، حتى لا يبقى إنسان بدون مسؤولية أو لا يشعر بها، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على أن يكون القدوة للمسلمين فى هذا الأمر الذى يتعلق باستراتيجية أمة. فيوم أُحد كان مثالاً رائعًا على تحمل النبى صلى الله عليه وسلم المسؤولية قائدًا للمسلمين، فقد استشار أصحابه لاختيار مكان المعركة، وكان يفضل أن تكون المعركة داخل المدينة.
وشاركه رأيه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، لأن القتال داخل المدينة به مميزات، لخصها صلى الله عليه وسلم فى قوله: «امكثوا فى المدينة، فإن دخل القوم قاتلناهم ورُمُوا من فوق البيوت وكانوا قد شبّكوا المدينة بالبنيان، فهى كالحصن»، وحتى بعد أن نزل على رأى من قال بالخروج من الأغلبية، لم يتراجع عن القيام بالمسؤولية كقائد للمسلمين، بل إن شعوره بالمسؤولية جعله يواصل الحرب فقال: «ما ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين أعدائه».
وهذا النموذج لا بد أن يكون عليه القائد والإمام، والقائد هنا ليس مقصورًا على فئة دون غيرها، فرب الأسرة قائد وراعٍ على أسرته، والمدير فى عمله، والطبيب فى مهنته، وكذا المهندس والمعلم حتى السائق فى مهنته وغيره فى باقى المهن، على الكل أن يراعى دوره ويقوم به كما ينبغى، فالمسؤولية تحتم عليه أن يؤديه على أكمل وجه؛ لأن فى تقصيره فى هذا الدور تعريض الآخرين للأخطار، فالخطر يتعداه إلى سواه من الناس.
فما أحوج الوطن إلى هذه المسؤولية المشتركة من الجميع فى ظل ترقب البعض إخفاقه عما هو ماضٍ إليه، وعازم على تحقيقه.
وعليه يجب أن تكون المسؤولية سلوكًا وعقيدة عند المسلمين قبل أن تكون فرضًا عليهم فى كل أمور حياتهم، لأنها إذا غابت تحول المجتمع إلى العشوائية والتخبط، وأعطوا الفرصة للمتربصين والأعداء من النيل من الأوطان والشعوب، فقوى الظلام تعمل فى بيئة تغيب عن أبنائها قيم المسؤولية المشتركة. علينا جميعًا أن نعلم أن المسؤولية ليست بالأمر الهين، أو أنها من فروض الكفاية، بل هى فرض عين على الجميع لا تسقط إلا عن فاقد الأهلية، وفى هذه الحالة تنتقل مسؤوليته إلى غيره، لئلا يتعدى خطره إلى الجميع.
الكل يجب أن يراقب الله فى عمله، وأن يعلم أنه إن اجتهد فى تحمل المسؤولية فهو مجازى عن قيامه بعمله على أكمل وجه، وإن قصر فيها فهو آثم، وإثمه أكبر عند الله تعالى يوم القيامة.