بُحّت الأصوات حول قانون الإدارة المحلية، لا يوجد تصريح رسمي واحد من قبل البرلمان أو الحكومة يقول أو يبرر أو يفسر لماذا تأخر قانون الإدارة المحلية كل هذه المدة.
للمرة العاشرة .. أين قانون المحليات؟
وكما هو معروف فإن المجالس المحلية هي إحدى أذرع قانون المحليات وليس كل القانون، لكنها أهم تلك الأذرع. ومنذ إبريل عام 2008 عقدت آخر انتخابات للمجالس المحلية، ومنذ عام 2011 عندما حلت تلك المجالس، لم نشهد انتخابات جديدة، ولم تتشكل أي مجالس بديلة ولو معينة كما ينص القانون فى حالة حل المجالس المنتخبة. وبذلك أصبحت المحليات بلا مجالس، ومن ثم أصبحت كيانات تنفيذية فاقدة للرقابة، ما جعلها توغل فى الفساد، الذى كانت ترزح أصلا فيه عندما كانت هناك مجالس، فما بالنا حال عدم وجودها أصلا.
إن أهمية التأصيل القانوني للمحليات، خاصة المجالس المحلية، يعنى غيابًا لمجمل الحياة السياسية فى مصر. فالمحليات هي بداية السلم نحو حياة ديمقراطية سليمة، فمن خلالها تتم بداية التجنيد النخبوى على مستوى المؤسسات الرسمية (منصب وزير- محافظ- عضو البرلمان... إلخ)
وغير الرسمية (منصب حزبى رفيع على المستوى القومي- منصب رفيع فى المجتمع المدني... إلخ)، ومنها أيضًا يتم تقييم طبيعة وشكل اللامركزية فى أي نظام سياسى، ومنها كذلك تبدأ مسألة تقديم الخدمات للمواطنين، ومنها تبدأ عملية المشاركة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك بالطبع عن المشاركة السياسية، خاصة بالنسبة للشباب والمرأة وهما الفئتان المجهضتان حقوقهما فى كثير من النظم السياسية.
لقد أتت المادة 241 من الدستور الحالي بالنص التالي: «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدرج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذة... إلخ». ويعنى منطوق النص السابق أن الدستور طالب باستعجال سن القانون، بدليل أن ما جاء به الدستور من أحكام تخص المحليات ستطبق بالتدريج خلال خمس سنوات من نفاذ الدستور،
أي خلال الفترة من يناير 2014- يناير 2019. بالطبع وكما هي العادة لدى من يخرق الدستور، سيقال إن تلك المواعيد تنظيمية، وهو قول لا أساس له من الصحة، وحتى لو صح فهو حق أريد به باطل، أي أريد به تعطيل عمدى لتمرير قانون، أراد الشارع الدستوري أن تكون المحليات فيه هي الأكثر تطورًا، منذ أن عرفت مصر الحياة الدستورية عام 1923 إلى الآن.
إن غياب قانون المحليات سبب حالة من الإرباك والارتباك لا مثيل لها بسبب توغل البيروقراطية، ما أدى إلى فقدان أي مناخ قابل لجذب الاستثمار، كما أن هذا الغياب أسفر عن حالة مزرية من ضعف الخدمات التي تقدم للمواطنين، وسوء حالة المؤسسات الرسمية.
كل ما سبق ليس ناتجًا فقط على غياب الرقابة، بل ناتجًا عن المركزية الضاربة فى أعماق الدولة العتيدة، بسبب هيمنة المركز عليها عبر الأجهزة القومية التي لا سلطان للمحافظة عليها بشكل كامل، وبعضها الثالث ليست لديه أي موارد أصلا كي يفرض رسومًا محلية لاستغلالها، الأمر الذى يجعل يده مغلولة للمركز.
وهكذا تبدو الحاجة إلى القانون الجديد لتنظيم جميع تلك الأوضاع، والعمل على إعادة التقسيم الإداري للوحدات المحلية، ووضع معايير لاختيار القيادات وإعمال الاستقلال المالي والإداري عبر نقل وليس تفويض السلطات كما أقر الدستور.