علامات حب الله للعبد .. ما الفرق بينه وبين "المانع" و"السبب"

علامات حب الله للعبد

بقلم / محمد صقر 

علامات حب الله للعبد

وإن ذكرت الصفات أحيانًا؛ كـ(«الشيخ الزاني، والملك الكذاب»([1])، وغيرهما)؛ فهذا من مقتضى بيان الرسول ﷺ للقرآن.

وأهم ما يلاحظ هنا أننا عبَّرنا -في الغالب- عن الأعمال المكروهة إليه سبحانه بالموانع من محبته، ولم نستعمل ألفاظ «الكره» و«البغض» وما شابه إلا في النصوص الشرعية الواردة بتلك الصيغ، وغالبها أحاديث نبوية، وإنما التزمنا ذلك رجاء السلامة في الاصطلاحات الشرعية، ولعلمنا أنه -عقلًا- ليس كل ما ليس محبوبًا مكروهًا؛ فقد يكون الشيء ليس محبوبًا ولا مكروهًا، مع إيماننا بأن كثيرًا مما لا يحبه الله تعالى يكرهه لتصريح نصوصٍ أخرى بالنهي عنه، أو الوعيد عليه، أو ذمه.. إلخ.

هذا، وقد تقابلنا أمور محبوبة أو مكروهة اختلف العلماءُ في درجة حلِّها أو درجة حرمتها.. هل هذا الأمر أو ذاك فرض أو مندوب أو مباح؟ وهل هذا الأمر أو ذاك حرام أو مكروه تحريمًا أو تنـزيهًا؟ فنرجو التزام الورع والاحتراز من الشبهات لمن أراد أن يحبه الله سبحانه.

(3)- المقصود بـ«المانع» من محبته تعالى:

المانع -في العربية- فاعلٌ من منع يمنع؛ أي: حرَّم، والممنوع المحرَّم([2]والمانع عند علماء الأصول هو: ما يلزم من وجوده عدم الحكم أو بطلان السبب؛ فقد يتحقق السبب الشرعي وتتوافر جميع شروطه، ولكن يوجد مانع يمنع ترتُّبَ الحكم عليه([3]).

أما مانع الحكم فهو كل وصف وجوديٍّ ظاهر منضبط مستلزم لحكمة مقتضاها بقاء نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب؛ كالأبوَّة في باب القصاص مع القتل العمد العدوان، وأما مانع السبب فهو كل وصف يخل وجوده بحكمة السبب يقينًا؛ كالدَّين في باب الزكاة مع ملك النصاب([4]).

فكأن الموانع من حب الله تعالى عبادَه محرَّمات؛ لكن ينبغي أن يعلم أننا ذكرنا في الباب الثاني المخصَّص لتلك الموانع أخلاقًا وأفعالًا حملها الفقهاء على الكراهة لا على التحريم؛ وذلك مثل: «قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، ومثل «التثاؤب» ونحو ذلك؛ فانتبه.

وإذن فيجب على من طلب محبة الكبير E أن ينقِّيَ نفسه من موانع حصول محبَّة الله؛ وذلك حتى لا تنتفي محبة الله إيَّاه جراء وجود هذه الموانع أو بعضها فيه. وكأنها التصفية التي تسبق التحلية كما يقول علماء القلوب والأخلاق، مع الاحتراز من أساليب الصوفية المبتدعة في معالجة تلك الأمور.

(4)- المقصود بـ«سبب» محبته تعالى:

السبب في اللغة عبارة عما يمكن التوصل به إلى مقصود ما؛ ومنه سمي الحبل سببا والطريق سببا؛ لإمكان التوصل بهما إلى المقصود. وإطلاقه في اصطلاح المتشرعين على بعض مسمياته في اللغة، وهو «كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرِّفا لحكم شرعي»([5]).

وباختصار: السبب هو ما جعله الله علامة على مسبَّبِهِ، وربط وجودَ المسبب بوجودِهِ، وعدمَه بعدمِهِ؛ فيلزم من وجود السبب وجودُ المسبب ومن عدمِه عدمُه([6]).

هذا هو السبب عند علماء الأصول، أما ما نقصده نحن بـ«السبب» في هذا الكتاب فمختلف عن هذا المفهوم قليلًا؛ إذ الأسباب في الباب الثالث من هذا الكتاب ليست علاماتٍ على محبة الله، وإنما العلامات ذكرناها في الباب الرابع تحت مسمى «الآثار والمظاهر»، وأما الأسباب فنعني بها ما يجلبُ المحبة؛ فالإحسان -مثلًا- سبب لجلب محبة الله وليس علامةً عليها، والابتلاء علامةٌ وليس سببًا، وإنما السبب الصبر على هذا الابتلاء.

والمعنى أنه بعد تنقية طالب محبةِ الله نفسَه من أدرانها المانعة لها من حصول محبته تعالى، يجب عليه الأخذُ بأسباب تحصيل هذه المحبة، وكلٌّ من الموانع والأسباب هي ما حدده الشرع المنزَّل في القرآن الكريم والسنة المشرفة الصحيحة، وليس ما حسبه طالب المحبة مانعًا أو سببًا من دون علمٍ شرعيٍّ، كما يخبط الصوفية وسائر المبتدعة في هذه المسألة وفي غيرها.

«الشرط»، والفرق بينه وبين «المانع» و«السبب»:

الشرط هو ما يتوقف وجودُ الحكم على وجوده، ويلزم من عدمه عدمُ الحكم، وهو خارج عن حقيقة المشروط([7])؛ فالشرط شرطان؛ الأول: ما كان عدمُه مخلًّا بحكمة السبب؛ كالقدرة على التسليم في باب البيع. والثاني: ما كان عدمُه مخلًّا بالحكم؛ كعدم الطهارة في الصلاة مع الإتيان بمسمى الصلاة([8]).

فكأن انتفاء موانع محبة الله شروطٌ لحصولها حتى وإن وجدت الأسباب؛ فلا يكفي الإحسان في الكافر حتى يحبَّه الله، بل يشترط أن يكون المحسنُ مؤمنًا؛ لأن الكفر مانعٌ من تلك المحبة، فالإيمان شرط للمحبة الإلهية، وهو إن لم يَرِد صريحًا كشرط للمحبة فقد ورد ضمنًا مراتٍ كثيرة..

تارةً في مانع الكفر وتارة في سبب اتباع النبي ﷺ؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) [آل عمران: ٣١، ٣٢]؛ فاتِّباع النبي ﷺ إيمانٌ بالله وبه ﷺ، وطاعة الله ورسوله إيمان، والتولِّي عن ذلك كفر، وإذا كان الله تعالى لا يحب الكافرين؛ فهو سبحانه يحب المؤمنين لأنهم الضد والنقيض.

(5) «آثار» و«مظاهر» محبَّتِه تعالى على العبادِ:

اقتصرنا -في هذا الكتاب- على بيان علامات ودلائل محبَّة الله على من ظهرت عليهم آياتُها، ولم نلتفت إلى علامات كرهه تعالى من كَرِهَهُم -نعوذ بالله من كرهه- وذلك لأمور منها:

1- أنه في حين استفاضت نصوص الشريعة الغرَّاء في بسط علائم محبة الله البادية على من يحبهم، فإنها تكاد تُغفِل علائم كراهيته تعالى من يكرههم؛ لأنهم في نظر الوحي سقطُ متاع لا يستأهلون الحديث عنهم، وإنما تحدث عنهم الوحي عظة للمحبوبين لا انشغالًا بهم، وإن كانت الشريعة قد ذكرت الدلائل عليهم في غير مواضع محبَّة الله.. فجارينا النصوص الشرعية في ذلك التقليل من شأنهم

([1]) أخرجه مسلم في الإيمان/ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار (ح107) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم -قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم-: شيخ زانٍ، وملِك كذاب، وعائل مستكبر».

- أننا نستهدف بهذا الكتاب طالبي محبَّة الله والساعين إليها؛ فهو كالرسالة إليهم، ومن محفزات السعي ذكر آيات المحبة وآثارها حتى إذا ظهرت على طالبها جدَّ في السعي وزاد.

3- أننا أردنا سَوْق البُشْرَيات، ولذا لم نركز على المُثَبِّطات.

وقد عبرنا عن علامات وآيات ودلائل محبَّة الله العبادَ بـ«الآثار» و«المظاهر»، وقسَّمناها تقسيمين.. الأول: «الآثار»، وهي خمسة:

(أ) ما كان من قبل الله نحو عبده. (ب) ما كان من قبل العبد نحو ربه. (ﺟ) ما كان من قبل العبد نحو النبي ﷺ والوحي المنـزَّل. (د) ما كان في خاصة نفس العبد المحبوب لله تعالى. (هـ) ما كان من قبل الناس نحو هذا العبد المحبوب لربه تعالى.

والتقسيم الثاني: «المظاهر»، وقد وجدناها أربعة عشر مظهرًا تظهر كلُّها أو بعضُها على شخص المحبوب لله تعالى، وقد ركبناها على الآثار، حيث يظهر كلُّ أثرٍ من الآثار الخمسة لمحبة الله تعالى عبده في مظهر أو أكثر.

هذا، و«الأثر» و«المظهر» بمعنًى واحد في اصطلاح المعاصرين؛ فالأثر هو: ما يتركه الشيء في الشيء، وكذا المظهر هو ما يظهر على المتأثِّر لاحتكاكه بالمؤثِّر، والفرق بينهما وبين «الخاصية» أنها تعني الصفة الموجودة في المؤثر التي تظهر على المتأثِّر إذا احتك به المؤثِّر؛ فالإحراق -مثلًا- خاصية في النار قبل احتكاكها بما يحترق، فإذا وضع الحطب فيها ظهر أثرُ الإحراق فيه. فيقال: ما خاصيَّة ذلك الشيء؟ أي: ما أثره الناشئ عنه([1])؟ فالخاصية هي الأثر قبل ظهوره، والأثر والمظهر هما الخاصية بعد الظهور.

و«المظهر» كذلك هو: الصورة التي يبدو عليها الشيء، وأيضًا هو: العلاقة([2]).

أما الأثر فيظهر بمظاهر عدة، فقد يكون أثر محبة الله لعبده في علاقته بربه، أو علاقته بالناس، أو في خاصة نفسه؛ فيظهر الأثر الأخير في كونه رفيقًا فهذا مظهر، أو في كونه مبتلًى فهذا مظهر، وهكذا سائر الآثار الخمسة تظهر بمظهر واحد أو بعدة مظاهر.

فلمحبة الله تعالى عبدًا من العباد آثارٌ ومظاهر تؤثر فيه، وتظهر عليه، بآثار ومظاهر عدة نفصِّلها في الباب الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله. وهذا غير لوازم المحبة التي اختلطت على بعضِهم بمعنى المحبة، وإنما الآثار والمظاهر كالعلامات والأدلة على وجود تلك المحبة.

هذا، وجميع ما جئنا به من آثارٍ ومظاهرَ على حصول محبة الله لعبد من عباده السعداء، بل ومن أسباب وموانع لهذه المحبة؛ إنما هو مما جاء به القرآن والسنَّة، ولم نلتفت إلى إجماع أو قياس أو غيرهما؛ لأسباب منها:

1- أن هذا الباب مما قل فيه القولُ بغير علم؛ فلم نجد فيه شيئًا ليس في القرآن والسنة؛ لأن هذا ليس موضع اجتهاد، وإنما هي محددات حددها الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ.

2- أن القرآن والسنة كافيان في هذا الباب.

3- أننا رأينا اختلاف العلماء في ذلك، فلم نأمن أن يقول بعضهم ما ليس بصحيح فننقله، فتكون جرأةً غير مأمونة العاقبة.

 

(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.


(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.


(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.


(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).


(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.


(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).


(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.