ما معنى الظلم وما هي أنواعه وماذا عن ظلم الحاكم والغني؟

 ظلم الحاكم والغني

 بقلم / محمد صقر 

 

 ظلم الحاكم والغني

الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب في الشبه: «من أشبه أباه فما ظلم».. قال الأصمعيُّ: ما ظلم؛ أي: ما وضع الشبه في غير موضعه.. وأصل الظُّلم الجَوْر ومجاوزة الحد.. والظلم الميل عن القصد.. يقال: ظلمه يظلمه ظلمًا ومظلِمة؛ فالظلم مصدر حقيقي، والظلم الاسم يقوم مَقام المصدر، وهو ظالم وظلوم([1]).

وفعله «ظلم» يتعدى لمفعولين؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: ٤٠]؛ لأنه في معنى يسلبهم، كما يتعدى بالباء كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٣]- أي بالآيات التي جاءتهم-؛ لأنه في معنى كفروا بها([2]).

وظلمه حقَّه وتَظَلَّمه إياه، وتَظَلَّم منه: شَكا مِنْ ظلمه، وتَظَلَّم الرجل: أحال الظلم على نفسه. والمُتَظَلِّمُ الذي يَشْكو رجلًا ظلمه، والمُتَظَلِّمُ أيضًا الظالِمُ، ومنه قول الشاعر: نَقِرُّ ونَأْبَى نَخْوَةَ المُتَظَلِّمِ #تنسيق#

وتظلَّمَني فلان؛ أي: ظلمني مالي، ويقال: تَظَلَّمَ فلان إلى الحاكم من فلان فظَلَّمَه تَظْليمًا؛ أي: أنْصَفَه من ظالمه وأعانه عليه، والظَّلَمةُ: المانِعونَ أهْلَ الحُقوقِ حُقُوقَهم.. يقال: ما ظلمك عن كذا؛ أي: ما مَنَعك. وقيل: الظَّلَمةُ في المُعامَلة. ويقال: ظَلَمْتُه فتَظَلَّمَ؛ أي: صبر على الظلم. واظَّلَمَ وانْظَلَم: احْتَملَ الظلم، وظَلَّمه: أنبأه أنه ظالم أو نسبه إلى الظلم. والظُّلامة: ما تُظْلَمُهُ، وهي المَظْلِمَة، والظُّلامة والظَّلِيمة والمَظْلِمة: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أُخِذَ منك. وتَظالَمَ القوم: ظلم بعضُهم بعضًا.. ويقال: أَظْلَمُ من حَيَّةٍ؛ لأنها تأْتي الجُحْرَ لم تَحْتَفِرْه فتسكنه، ويقولون: ما ظَلَمَك أن تفعل([3]).

وقد جاء الظلم في القرآن والسنة بمعانٍ عديدة، منها:

1- الشرك بالله.. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: ١٣].

2- ظلم النفس بالكفر والعصيان. قال تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: ٥٧].

3- الصد عن سبيل الله.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: ١١٤].

4- كتمان الشهادة.. قال تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: ١٤٠].

5- الكذب على الله، والتكذيب بآياته.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: ٢١].

6- ادعاء النبوة، وادعاء صفات الله لنفس المُدَّعِي.. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣].

7- الإفتاء بغير علم لإضلال الناس.. قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٤].

8- الإعراض عن آيات الله.. قال تعالى: ﴿أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: ١٥٧].

9- نسيان الذنوب والمعاصي.. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٥٧].

10- أخذ الربا، وعدم الوفاء بالدَّين حتى للمرابي([4]).. قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٢٧٩].

11- أكل أموال اليتامى ظلمًا.. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: ١٠].

12- المطل حتى للغني.. قال ﷺ: «مطل الغني ظلم»([5]).

13- سرقة الأرض.. قال ﷺ: «من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين»([6]).

وإذن فالظلم كله ذنوبٌ كبارٌ؛ لكنَّ منه ما هو أكبر من غيره؛ فالإشراك بالله ظلم([7])، وأكل أموال الناس بالباطل أو ضربهم أو شتمهم ظلم، وما بين هذا وذاك أمور كثيرة تُعد ظلمًا لا يزال الناس يأتونها في كل زمان إلا ما رحم الله.

أولًا- عموم الظلم، والشرك بالله، وتحريم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٦، ٥٧].

قال الشوكاني: وقوله: ﴿ ﴾ كناية عن بغضهم، وهي جملة تذييلية مقررة لما قبلها([8]). وقال الطاهر بن عاشور: وجملة ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ تذييل للتفصيل كله؛ فهي تذييل ثانٍ لجملة ﴿ﮆ ﮇ ﮈ﴾ بصريح معناها؛ أي: أعذبهم لأنهم ظالمون ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾، وتذييل لجملة ﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ إلى آخرها بكناية معناها؛ لأن انتفاء محبة الله الظالمين يستلزم أنه يحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ فلذلك يعطيهم ثوابَهم وافيًا. ومعنى كونهم ظالمين أنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم، وظلم النصارى اللهَ([9]) بأن نقصوه بإثبات ولدٍ له، وظلموا عيسى بأن نسبوه ابنًا لله تعالى، وظلمه اليهود بتكذيبهم إيَّاه وأذاهم([10]).

وقال الطبري: وأما قوله: ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾؛ فإنه يعني: والله لا يحب من ظلم غيره حقًّا له، أو وضع شيئًا في غير موضعه؛ فنفى -جل ثناؤه- عن

نفسه بذلك أن يظلم عبادَه، فيجازي المسيء ممن كفر جزاء المحسنين ممن آمن به، أو يجازي المحسنَ ممن آمن به واتبع أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه جزاء المسيئين ممن كفر به وكذب رسله وخالف أمره ونهيَه، فقال: إني لا أحب الظالمين فكيف أظلم خلقي؟! وهذا القول من الله -تعالى ذكره- وإن كان خرج مخرج الخبر؛ فإنه وعيد منه للكافرين به وبرسله، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله؛ لأنه أعلَمَ الفريقين جميعًا أنه لا يبخس هذا المؤمن حقَّه، ولا يظلم كرامتَه فيضعها فيمن كفر به وخالف أمره ونهيه؛ فيكون لها بوضعها في غير أهلها ظالمًا([1]).

وقال الصابوني: ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾؛ أي: لا يحب من كان ظالمًا، فكيف يظلم عباده([2])؟!

وقال الآلوسي: ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾؛ أي: لا يريد تعظيمهم ولا يرحمهم ولا يثني عليهم، أو المراد يبغضهم على ما هو الشائع في مثل هذه العبارة([3])، والجملة تذييل لما قبلُ مقررة لمضمونه([4]).

معناه: أن الله تعالى عظم عيسى S ورحمه وأثنى عليه برفعه إيَّاه وإنجائه له، ولو كان D ظالمًا لما كرَّمه هذا التكريم؛ لأن الله تعالى لا يكرِّم الظالمين هذا التكريم، وهذا موافق لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: ١٠١]، قيل: نزلت فيه S لما نزلت: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، قال المشركون: إن من الناس من عبد عيسى -يعنون بذلك النصارى-؛ فأنزل الله: ﴿نَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ الآية.

ومن خلال ذلك يتضح أن المقصود بالظلم في هذه الآية ما يأتي:

1- تحريم الله تعالى الظلم على عباده فيما بينهم؛ فحرامٌ أن يظلم الإنسان أخاه الإنسان.

2- تحريم الله تعالى الظلم على نفسه.. قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: ٤٩]. وفي هذا والذي قبله الحديث القدسي الصحيح: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا؛ فلا تظالموا»([5]).

3- أن الله تعالى لا يظلم الصالحين بالانتقاص من ثوابهم؛ بل ينجز لهم ما وعدهم ويزيدهم من فضله الواسع العظيم، وكذلك هو سبحانه لا يظلم الطالحين بالزيادة لهم في عقابهم؛ بل ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: ٤٠].

4- الشرك بالله؛ حيث عبد النصارى المسيح.. قال اليعقوبيَّة منهم: هو الله، وقال النسطورية منهم: هو ابن الله. تعالى الله عن قولهم؛ فهم بذلك أشركوا بالله تعالى ووضعوا العبادة في غيرِ موضعها، والله أعلم.

ثانيًا- الظلم بمعنى قتال المسلمين، أو قعوصِهم هم عن الجهاد في سبيل الله:

يقول تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: ١٤٠]. وقد فُسِّرت بالمعنيين أعلاه.. قال العلامة السعدي: ﴿﴾؛ الذين ظلموا أنفسهم، وتقاعدوا عن القتال في سبيله. ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: ٤٦]([6]).

وقال الصابوني: ﴿﴾؛ أي: لا يحب المعتدين، ومنهم المنافقون الذين انخذلوا عن نبيِّه يوم أحد([7]). وهذا تفسير الطبري رِوايةً عن ابن إسحاق؛ لكن في تفسيره كلمة «الناس» في قوله تعالى: ﴿﴾ ما يدل على المعنى الأول -أي مقاتلي المسلمين- قال: ويعني بـ«الناس» المسلمين والمشركين؛ وذلك أن الله D أدال المسلمين من المشركين ببدر فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأدال المشركين من المسلمين بأُحُد فقتلوا منهم سبعين سوى من جرحوا منهم([8]). وقد قال القرطبي -مرجِّحًا هذا المعنى-: ﴿﴾؛ أي المشركين؛ أي: وإن أنال الكفار من المؤمنين فهو لا يحبُّهم، وإن أحلَّ ألمًا بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين([9]).


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).

تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.