تحت شعار «بس مصخت»، دعا النائب الكويتي السابق صالح الملا مطلع الشهر الجاري إلى وقفة احتجاجية فى ساحة الإرادة المقابلة لمجلس الأمة الكويتي، للتعبير عن رفضه لـ« تردى الأوضاع واستشراء الفساد».
أكد الملا فى تغريده على حسابه بموقع «توتير» أن «طريق الإصلاح طويل، ووقفة اليوم ما هي إلا خطوة لتغيير الواقع المرير وفرصة لتحريك المياه الآسنة»، مضيفا «ساعة لوطنك.. عساه أن يعود وطن الدستور والعدالة والحريات».
وفى مساء 6 نوفمبر تجمع آلاف الكويتيين أمام مجلس الأمة، ورفعوا لافتات ضد الحكومة، وطالبوا بالتحقيق فى اتهامات فساد طالت عددا من الوزراء، انتهت الوقفة وعاد المتظاهرون إلى منازلهم دون مواجهات أو ملاحقات من قوات الأمن أو إحالة إلى النيابة بتهم التجمهر وإثارة البلبلة.
بدوره نقل الإعلام الكويتي التظاهرة دون أن يوجه للمتظاهرين اتهامات بالعمالة أو الخيانة أو التآمر على استقرار الدولة، بل بالعكس خرجت العديد من المقالات والتقارير تحت عنوان «بس مصخت» تنتقد أداء الحكومة ووزرائها ومن بينهم وزير الدفاع نجل أمير الكويت ووزير الداخلية ولنواب البرلمان الذين لم يتصدوا لـ«الفساد والتعدي على الدستور»، ولم تلاحق أي من الصحفيين تهم «الأقلام المأجورة التي يتلقى أصحابها أموالا من الخارج».
وتحت قبة البرلمان تقدم عدد من النواب باستجوابين إلى وزيرة الأشغال ووزير الداخلية، ناقش مجلس الأمة الاستجوابين، ولم يتهم أحد مقدمي الاستجوابين بالعمل ضد الدولة ولم يطالب أحد بإحالتهم إلى «لجنة القيم»، لأنهم ببساطة استخدموا حقهم الدستوري فى الرقابة على الحكومة، وانتهى الأمر باستقالة وزيرة الأشغال وانتظر وزير الداخلية اقتراع البرلمان على سحب الثقة.
بالتزامن اندلعت أزمة بين النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد ورئيس الحكومة جابر المبارك الصباح ووزير داخليته خالد الجراح بعد بيان اتهم فيه ناصر الأحمد الحكومة بعدم الرد على استفساراته بشأن «مخالفات وشبهة جرائم متعلقة بالمال العام تجاوزت قيمتها 240 مليون دينار من صندوق الجيش»، تبادل أطراف الأزمة الاتهامات علنا عبر بيانات نشرتها وسائل الإعلام.
دخل أمير الكويت على خط الأزمة، وأصدر قرارا بإقالة وزير الدفاع (ابنه) ووزير الداخلية، ما دعا رئيس الحكومة إلى إعلان استقالة الحكومة، فكلف الأمير بإعادة تشكيل الحكومة فاعتذر المبارك عن قبول المهمة قبل أن يبرئ القضاء ساحته من «الافتراءات والادعاءات التي مست ذمته» وتناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وقال فى بيان أصدره «هي أكاذيب لا صلة لها بالحقيقة صادرة بكل أسف من زميل وأخ تربطني به زمالة ورابطة أخوة وصداقة.. ناهيك عما ينطوي عليه تصرفه من تداعيات بالغة الخطورة على مختلف الأصعدة ولاسيما أننا فى دولة القانون والمؤسسات».
لم تتبع الأجهزة الأمنية مطلقي تلك «الافتراءات والادعاءات» فى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ولم يتطوع «المحامون الشرفاء» بتقديم بلاغات تتهم صحفيين ونشطاء بنشر أخبار كاذبة أو تكدير السلم العام أو محاولة قلب نظام الحكم، بل بالعكس احترمت مؤسسات الدولة الرأي العام ونزلت على إرادته وأحال النائب العام الكويتي بلاغا ضد الفريق الركن وزير الدفاع السابق ووزير الداخلية المقال خالد الجراح، إلى لجنة التحقيق بمحكمة الوزراء فى قضية «صندوق الجيش».
من جهته، رفض الجراح وأوضح فى بيان له أن «صندوق الجيش» تم إنشاؤه منذ تأسيس الجيش الكويتي، وله أغراض تختص بالأمن الوطني للبلاد، وقد أشرف عليه وزراء الدفاع المتوالون منذ تأسيسه».
انتهى الأمر بصدور أمر أميري بتكليف وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد بمنصب رئيس مجلس الوزراء، وأقسم الحمد اليمين الدستورية وجارٍ تشكيل الحكومة الجديدة فى الكويت.
وجهت الإمارة الخليجية درسا لجمهوريات وممالك المنطقة فى ضرورة إنصات السلطة للرأي العام، وممارسة مؤسسات الدولة للدور الذى كفله لها الدستور، وبعثت برسالة مفادها: كيف تتجنب الأنظمة مزالق الإخفاق والتي قد تنتهى بالفعل إلى سقوط الأوطان.
مارس المواطن الكويتي حقه فى الاحتجاج، وقام البرلمان بدوره فى إعمال الرقابة وقدم نوابه استجوابين انتهيا باستقالة الحكومة، ونقل الإعلام ما جرى فى الشارع وفى كواليس البرلمان وأروقة الحكومة وقدم للمتلقي خدمة صحفية وتناقلت منصاته بيانات أطراف الأزمة بما فيها من اتهامات فساد طالت مؤسسة سيادية (صندوق الجيش)، وغاب عن المشهد برمته مفردات جوقات التطبيل والنفاق فى بعض دول المنطقة ذات التاريخ النيابي والدستوري العريق.. واحسرتاه!!