جزاء حث الناس على البخل عند الله

جزاء حث الناس على البخل عند الله

بقلم / محمد صقر

جزاء حث الناس على البخل عند الله

وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم؛ فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم، وتزول به ضرورتهم.

عن ابن عباس: يعني الذي بينك وبينه قرابة، والذي ليس بينك وبينه قرابة. وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة، وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله: ﴿ ) : يعني الجار المسلم، ﴿ ﴾: يعني اليهودي والنصراني؛ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وعن علي وابن مسعود: ﴿ ﴾ يعني المرأة. وقال مجاهد أيضًا في قوله: ﴿ ﴾: يعني الرفيق في السفر، وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار([1]).

﴿﴾، عن علي وابن مسعود قالا: هي المرأة، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بن جبير -في إحدى الروايات عنه- نحو ذلك، وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة: هو الرفيق في السفر، وقال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح، وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر.

وأما ﴿﴾؛ فعن ابن عباس وجماعة هو: الضيف، وقال مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك ومقاتل: هو الذي يمر عليك مجتازًا في السفر. وهذا أظهر، وإن كان مراد القائل بالضيف: المارَّ في الطريق؛ فهما سواء.

﴿﴾ وصية بالأرقاء؛ لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس؛ فلهذا ثبت أن رسول الله ﷺ جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم»، فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه([2]). قال: وقوله تعالى: ﴿﴾؛ أي: مختالًا في نفسه معجبًا متكبِّرًا، فخورًا على الناس يرى أنه خيرٌ منهم؛ فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير وعند الناس بغيض؛ قال مجاهد: ﴿﴾ يعني متكبِّرًا ﴿﴾ يعني: يعد ما أُعطي وهو لا يشكر اللهَ تعالى؛ يعني: يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه، وهو قليل الشكر لله على ذلك([3]).

وقال الطبري: وأما الفخور فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما آتاه من طوْله؛ ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مستطيل مفتخِر.. عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي قال: لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالًا فخورًا، وتلا: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: ٣٦]، ولا عاقًّا إلا وجدته جبَّارًا شقيًّا، وتلا: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم: ٣٢]([4]).

وقال القرطبي: قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ﴾؛ أي: لا يرضى([5])﴿لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾، فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته؛ أي: لا يُظهِر عليه آثار نعمِهِ في الآخرة، وفي هذا ضرب من التوعُّد. والمختال ذو الخيلاء؛ أي الكبر. والفخور: الذي يعدد مناقبه كبْرًا، والفخر: البذخ والتطاول، وخص هاتين الصفتين بالذكر هنا؛ لأنهما تحملان صاحبيهما على الأنفة من القريب الفقير والجار الفقير، وغيرهما ممن ذكر في الآية، فيضيِّع أمر الله بالإحسان إليهم([6]).

وتُفصِّل هذه الآية صفات المتواضعين وما هم عليه من الخلال الحميدة، ثم تجمل المختالين الفخورين؛ لأنهم نقيض المتواضعين في الحال والمآل، ثم تأتي الآيات بعد ذلك لتُفصِّل معاني الاختيال و«الفَخُورِيَّة»، وهي ثماني صفات تتضمن الكُفْر وما دونه على النحو الآتي:

1- البخل: إذ هذا المختال الفخور قاسي القلب ممسك؛ لأنه لا يشعر بغيره، فهو منشغل يتفقد نفسه ومحاسنه، لا يأبه باحتياج سواه، ثم إنه أنانِيٌّ لا يريد أن يعطي غيره حتى لا يصبح مثله أو قريبًا منه ماليًّا؛ فهاتان الصفتان تمنعانه من الإنفاق وتحملانه على البخل.. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا*الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 36-٣٧].

2- حث الناس على البخل: فهو لا يكتفي بالإمساك والبخل، بل أكثر من ذلك يأمر غيره بالبخل، وهو أمرٌ بالمنكر، والسبب في ذلك أن المختال الفخور يريد أن يعرض على الناس عقله مستحسنًا إيَّاه كما يستحسن كل شيء من نفسه؛ فتراه يقول للمنفق: احفظ مالك، هذا الذي تعطيه لا يستحق. وقد يريد بذلك أن يظل المحتاجُ محتاجًا حتى يظل هو نفسُه أعلى من بعض الناس؛ ليختال ويفخر عليهم. وهو أيضًا يمارس هوايته في الفخر والخيلاء على المنفِق بمحاولته إظهار أنه الأرجح عقلًا والأصح نظرًا والأكثر خبرةً، كما أنه لهذا الوهم أكثر مالًا، ومع ذلك لا يعطي هذا؛ لأنه يعد نفسه أعلم بالأمور.. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء: ٣٧].

3- كتمان النعم وإخفاؤها: والسبب أن المختال الفخور لو اعترف بأن عنده شيئًا، أو بأن ما عنده فضلٌ من الله عليه؛ لم يصح منه الفخر به، فشأنه شأن قارون؛ قال: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨]، وقال تعالى في عموم من هذه صفتهم: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٤٩].

والحق أن المختال الفخور لو اعترف بفضل الله عليه لم يصح منه الاختيال والفخر؛ إذ لا يصح اختيال وفخر الإنسان بما ليس من كسبه، وكذلك يتوجَّب عليه أن يعطي وينفق؛ لأن الوهَّاب سبحانه قد أمر بالإنفاق وتوعَّد على المنع، والحجَّة أن المال مال الله، ولهذا -وللرغبة في إثبات ذاته- ينكر المختال الفخور أن يكون المال مالَ الله.. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: ٣٧].


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.


(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.


(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.


(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).


(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.