يبدو أننا مقبلون على عملية سياسية كبيرة، تتضمن تغييراً وزارياً واسعاً، فضلاً عن إعادة تشكيل عدد من الهيئات والمجالس المنصوص عليها فى الدستور، وهو أمر لا يمكن اعتباره إيجابياً إلا بتوافر ثلاثة عناصر ضرورية.
أول هذه العناصر أن يكون هذا التغيير منطلقاً من استراتيجية جديدة، تشخص مناطق العوار والخلل فى أداء هذه الوزارات والهيئات، وتضع رؤية جديدة لعملها، مشفوعة باستراتيجية وأهداف ذكية محددة بدقة وقابلة للتحقق والقياس وفق توقيتات ملزمة.
أما ثاني هذه العناصر فيتعلق بعملية الاختيار ذاتها، وما إذا كانت تلك العملية تستند إلى معايير منطقية ومعلومات وافية، بحيث تفضى إلى اختيار أفضل العناصر للقيام بالمهام المحددة سلفاً، وفق الاستراتيجية الجديدة.
ويتصل العنصر الثالث فى هذه العملية بالإجابة عن السؤال الحيوي: هل سيتم إطلاق طاقات العناصر الجديدة من أجل أن تعمل فى بيئة فعالة ومبدعة ومنتجة، أم أنها ستكون مكبلة باعتبارات وقيود وأنماط عمل شكلية وتقليدية، بحيث لا ينتج عن التغيير أي تغيير؟
فإذا تحدثنا عن تغيير يمكن أن يطال المجال الإعلامي ضمن هذه العملية السياسية الواسعة، فما الذى يتوجب فعله لكى يؤتى هذا التغيير ثماره المرجوة؟
أولاً: يجب أن يبدأ التغيير بعملية إرساء الاستراتيجية، لا أن يبدأ بالتفكير فى أسماء مرشحين للمناصب.
ولتقريب المسألة، فعملية التغيير فى مجال قيادة الإعلام يجب أن تبدأ بالسؤالين: ماذا نريد من الإعلام؟ وكيف نحصل على ما نريده؟
وعند محاولة الإجابة يجدر بنا أن نتذكر أن منظومتنا الإعلامية باتت عاطلة وبائسة، وأنها تفقد ثقة جمهورها باطراد، وتحفل بأنماط الأداء الرديئة، ما أدى إلى انكشاف مصر إعلامياً، وتبديد قدرتها على مخاطبة الإقليم أو العالم، كما أن تلك المنظومة أخفقت أيضاً فى الحصول على الحد الأدنى من الاعتبار والاحترام اللازمين.
لا تحتاج قيادة التغيير إلى التذكير بأن الإعلام أمن قومي، فلطالما تم ترديد هذه العبارة على المستويات كافة، ومع ذلك فإن ما تحتاجه قيادة التغيير هو إيجاد الإجابة عن السؤال: كيف يخدم الإعلام الأمن القومي؟
من جانبي، سأقترح إجابة: «إعلام مصر حر، ومتنوع، ومتعدد، ومتقدم فنياً وتقنياً، ويقوم عليه محترفون متخصصون، ويخضع أداؤه لتقييم مهني رشيد وعادل، بشكل يرقى مردوده، ويعزز تنافسيته، ويزيد درجة اعتماد الجمهور عليه، ويحد من أثر الاستهدافات الإعلامية المسيئة والضارة، ويحظى بالثقة وبدرجة مناسبة من الاحترام والاعتبار، ويستطيع مخاطبة الإقليم والعالم بقدر من التأثير يتناسب مع كتلة مصر الحيوية».
ثانياً: الالتزام بالإطار الذى أرساه الدستور للإعلام الوطني، كما يظهر فى المواد 65 و68 و70 و71 و72 و211 و212 و213، وهو إطار رشيد ومدروس، ويمكن من خلال العمل على الوفاء به إدراك الاستراتيجية. وكما هو معروف فإن هذا الإطار لا يوفر دوراً لوزير إعلام، ولكنه ينيط قيادة المشهد الإعلامي المصري بهيئات مستقلة ذات تمثيل عريض ومتوازن.
ثالثاً: لقد تم تشكيل الهيئات الإعلامية الثلاث المنصوص عليها فى الدستور سابقاً، ويبدو أنها أخفقت تماماً فى إحداث الإصلاح المأمول. وهنا يبرز عدد من الأسئلة: هل كان تشكيل هذه الهيئات جيداً ومدروساً أم كان منطلقاً من قاعدة أهل الثقة وليس أهل الخبرة؟ وهل فهم أعضاء هذه الهيئات دورهم المنصوص عليه فى الدستور والقوانين؟ وهل امتلكوا القدر المناسب من الإدراك والكفاءة والهمة لتنفيذ المهمة؟ وهل أتيحت لهم الفرصة لتنفيذ خططهم، أم أنهم تحولوا إلى موظفين تنفيذيين؟