ارتفعت الديون العالمية بصورة رهيبة خلال السنوات الأخيرة حيث ٢٥٥ تريليون دولار لتشكل ما نسبته ٢٤٠٪ من الناتج الإجمالي العالمي. ولعل في جملة ما يحدث أسبابا عدة تشير بجلاء إلي كم الاخفاقات الاقتصادية وزيادة حدة الديون منها علي سبيل المثال.
تباطؤ النمو العالمي ، وبالتالي يقل الإنتاج، وتلجأ كثير من الدول إلي الاقتراض، وإصدار سندات الدين السيادي لتمويل عجز الموازنة، وبعبارة مبسطة فإن الإنفاق مستمر في التزايد والإنتاج مستمر في التناقص. والنتيجة أن نسبة نمو الديون صارت أعلي بكثير من نسبة نمو الاقتصاد العالمي. وصار تصنيف هذه الديون «سلبي» بعد أن كانت نظرة «موديز» إليها «مستقرة».
والأمر لا يتوقف علي الدول فقط، بل وصل إلي الشركات عموما والكبرى خصوصا، وفي «الاقتصادات الناشئة» بالأخص، خصوصا علي دول مثل تركيا والمكسيك وتشيلي الديون بدأت تأخذ منحني تصاعديا منذ الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨، سواء كانت حكومية أو شركات مالية أو غير مالية أو حتي ديونا للأسر، ما يعني أن الاقتراض يتزايد في كل مكان، علما بأن ٧٥٪ من إجمالي الديون العالمية أي ١٩٠ تريليون دولار ديونا للقطاع غير المالي أي الحكومات والأسر والشركات الأخرى.
كانت سوق السندات ينظر إليها باعتبارها «أصول ذات ملاذ آمن» مزدحم للغاية في الفترة الأخيرة مع اندفاع المستثمرين بسبب أزمات مثل البريكست وتباطؤ النمو العالمي وتحقيقات عزل دونالد ترامب.
والآن نسأل: ما هي الدول التي سوف تتأثر أكثر بارتفاع حجم مديونيتها، وهل هناك دول مرشحة للإفلاس أو علي الأقل الدخول في أزمات حادة؟!
مبدئيا فارتفاع حجم المديونية، حتي لو كان لأرقام قياسية، ليس له نفس الأثر الخطر المباشر علي كل الدول بدرجة متساوية.
الصين هي أعلي مديونية في العالم بإجمالي ٤٠ تريليون دولار ٢١٪ من الديون العالمية، وبعدها أمريكا ٢٣٪ تريليون بنسبة ١٢٫٥٪ من المديونية العالمية، ورغم ذلك فلا يمكن لأحد أن يقول إنهما سوف يعلنان إفلاسهما، في حين أن ديون فنزويلا التي لا تزيد عن ١٥٠ مليار دولار تضعها تحت خطر الإفلاس الفعلي.
أمريكا أقوي اقتصاد في العالم بناتج قومي إجمالي يبلغ تريليون دولار، والصين في المركز الثاني بناتج قومي إجمالي وبالتالي فهما يتمتعان باقتصاد قوي جدا يحميهما من خطر أعباء الديون. في حين أن فنزويلا تحتاج إلي تكريس دخلها من الصادرات النفطية كاملا لمدة ست سنوات لتسوية أزمة الديون.
ترتيب الدول الأكثر مديونية مقارنة بالناتج القومي الإجمالي لها هي اليابان ٢٣٥٪، اليونان ١٩١٪، والسودان ١٧٦٪، وفنزويلا 162٪، ولبنان ١٦٠٪. لكن مرة أخري ليس ذلك مؤشرا وحيدا، لأن الاقتصاد الياباني قوي جدا، ويحتل مكانه في الخمسة الكبار عالميا، وبالتالي فارتفاع الديون لا يشكل خطرا، لكن الحال مختلف تماما فيما يتعلق بلبنان مثلا الذي هتف العديد من مواطنيه مؤخرا قائلين: «يسقط يسقط حكم المصرف»!!
الدول التي تواجه صعوبات قوية فيما يتعلق بديونها العامة هي بريطانيا علي خلفية البريكست، وتركيا التي انهارت عملتها بنسبة زادت عن ٣٠٪، وهونج كونج، وجنوب إفريقيا والمكسيك. الديون السيادية الحكومية لـ١٤٢ دولة زادت عن ٦٣ تريليون دولار والخطر الأكبر يحيق بدول في قارة أمريكا اللاتينية خصوصا فنزويلا والأكوادور والمكسيك والأرجنتين. في حين أن الدول التي لا تعاني من أي مشاكل في الديون هي كندا والدنمارك.
الدول الأقل ديونا مقارنة مع ناتجها المحلي هي: هونج كونج وبروناي وأستونيا والسعودية وبوتسوانا وروسيا والكويت ونيجيريا والإمارات والجزائر. ومرة أخري فهذا ليس مؤشرا نهائيا، فهونج كونج بدأت تعاني بسبب استمرار الاحتجاجات السياسية الضخمة فيها، كما بدأت السعودية في الاستدانة التي وصلت إلي ٤٢٥ مليار ريال.
المؤشر الأكثر دقة هو مقارنة هذه الديون ونسبتها إلي الإنتاج الكلي والصادرات والاستثمارات الانتاجية.
عربيا فإن حجم الديون في أوائل العام الماضي لعشرين دولة عربية بلغ تريليون دولار بزيادة قدرها ١٣٤٫٥٪ عن معدلات ديون عام ٢٠٠٠ التي بلغت ٤٢٦ مليار دولار. مصر في مقدمة الدولة العربية الأكثر استدانة، لكن الديون الأخطر موجودة في لبنان حيث بلغت ١٦٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
أحد الأسباب الرئيسية أيضا هو وجود ما يسمي بظاهرة «المال الرخيص» نظرا لسهولة الاقتراض بسبب انخفاض سعر الفائدة في غالبية بلدان العالم لفترات طويلة.
وإذا كانت الدول الغنية قادرة علي التعامل مع أزمة ديونها فإن المشكلة في الدول الفقيرة أو المتوسطة، التي ستجد نفسها مضطرة لتخصيص معظم دخلها وإيراداتها لسداد أقساط وفوائد الديون فقط.