المانع الثالث من محبة الله عبدًا .. الأثيمية ومعنى الإثم ومرادفاته

المانع الثالث من محبة الله عبدًا

بقلم / محمد صقر

   

المانع الثالث من محبة الله عبدًا

معنى الإثم، ومرادفاته، وحجمه : «الأثِيمِيَّةُ» مصدر صناعي صيغ بزيادة ياء مشددة وتاء على كلمة «أثيم»؛ لأن أثيمًا هي ما ورد مانعًا من محبة الله تعالى في آيتي البقرة والنساء، وهما الوحيدتان في القرآن في هذا الباب، ولم يرد اسم الفاعل «آثم» كمانع من محبته تعالى، ولو وردت لقلنا: الإثم، بدل «الأثيمية»؛ فالدقة تقتضي أن نقول: «الأثيمية» لا الإثم. و«أثيم» -كما سبق- صيغة مبالغة على وزن فعيل، من «الإثم»، واسم فاعله «آثم».

1- معنى الإثم

الإثم هو الذنب، والذنب هو الأمر غير المشروع يُرتكب([1])؛ وإذن فللإثم والذنب ركنان.. الأول: أن يكون ثمة أمرٌ غير مشروع؛ أي محرَّم، سواء كان قولًا أو فعلًا أو اعتقادًا، والثاني: أن يقتَرِف هذا الأمر المحرَّم من نُهي عن اقترافه، وهو «المكَلَّف» في اصطلاح الأصوليين. ومن ثم يمكن تعريف الإثم بأنه: ارتكاب المحرم في الشرع من القول والفعل والاعتقاد صغيرًا كان أو كبيرًا؛ ومثاله قوله تعالى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: ٢٩].

أي: تنصرف بإثمي وإثمك إذ قتلتني؛ أي: إثم قتلِك إياي وإثم فعلك وقولك واعتقادك قبل ذلك؛ من مثل ما بسببه لم يتقبل قربانه. ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ لجميع هذه الآثام؛ فإنه ذُكِّر بالنار وبحرمة دم أخيه وبآثامه من قبل فلم يرتدع([2]). وقد حدَّ النبي ﷺ الإثم بقوله: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس»([3])، وفي قوله: «البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك»([4])؛ قال الإمام الراغب: وهذا القول منه حُكْمُ البر والإثم لا تفسيرهما([5]).

ويفهم من الحديثين أن الإثم ضد البر، وقد عُرِّف البر بأنه: كل ما يؤمر به في الشرع، ويحدُّه قوله سبحانه: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: ١٧٧]. وإذن فالبر اسم جامع لكل ما يؤمر به في الشرع، والإثم خلافه؛ أي: هو اسم جامع لكل ما يُنهى عنه في الشرع من قول أو فعل أو اعتقاد صغير أو كبير، وهو اسم جامع لكل أضداد المعاني الواردة في هذه الآية؛ كما يدل على ذلك استقراء الكتاب والسنة.

وقال الإمام الراغب: الإثم والأثام([6]) اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، يقال: أثمت الناقة المشي تأثمه إثمًا: أبطأت([7])، وجمعه آثام؛ ولتضمنه لمعنى البطء، قال الشاعر: جمالية تغتلي بالرداف إذا كذب الآثمات الهجيرا([8])

وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩]؛ أي: في تناولهما إبطاء عن الخيرات.

وقد أثم إثمًا وأثامًا؛ فهو آثم وأثيم. وتأثَّم: خرج من إثمه؛ كقولهم: تحوَّب وتحرَّج: خرج من حوْبه وحرجه؛ أي ضيقه. وتسمية الكذب إثمًا لكون الكذب من جملة الإثم، وذلك كتسمية الإنسان حيوانًا لكونه من جملته.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) [البقرة: ٢٠٦]؛ أي: حملته عزته على فعل ما يؤثمه، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨]؛ أي: عذابًا، فسمَّاه أثامًا لما كان منه، وذلك كتسمية النبات والشحم ندًى لمَّا كانا منه في قول الشاعر: تعلى الندى في متنه وتحدرا([9])

وقيل: معنى ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ أي: يحمله ذلك على ارتكاب آثام، وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: ٥٩]. والآثم: المتحمل الإثم.. قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣].

وقوله تعالى: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ [القلم: ١٢]؛ أي: آثم، وقوله: ﴿وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٦٢]. قيل: أشار بالإثم إلى نحو قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: ٤٤].

وبالعدوان إلى قوله: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]؛ فالإثم أعم من العدوان([10]).

2- ألفاظ ترادف الإثم أو تلتبس به:

كل ما دلَّ على محرَّمٍ أو منهِيٍّ عنه في القرآن أو السنة يندرج تحت الإثم، وكل لفظ تندرج تحته هذه المحرَّمات والمنهيَّات يعتبر مرادفًا للإثم([11])؛ مثل: الذنب والمنكر والظلم والجرم والفجور والفسق والضلال والجاهلية، وكذلك الكفر والشرك والنفاق من الآثام لكن لها حديث آخر، ومن الآثام ما دون ذلك. ومن هذه الألفاظ ما لو أطلق يراد به الكبائر على الأغلب؛ كالفسق والفجور والضلال. ويجدر بنا أن نعرف حقيقة كل لفظ من هذه لندرك ما يتفق وما يختلف فيه عن الإثم.

 قال: حدثنا سليمان بن حرب. ثلاثتهم (يزيد، وعفان، وسليمان) قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز؛ فذكره. في رواية عفان: عن أيوب بن عبد الله بن مكرز، ولم يسمعه منه، قال: حدثني جلساؤه، وقد رأيته عن وابصة الأسدي (قال عفان: حدثني غير مرة، ولم يقل: حدثني جلساؤه).

قال النووي -في «الأربعين النووية» في الحديث رقم (27)-: «حديث حسن، رويناه في مسندي الإمامين أحمد والدارمي بإسناد حسن». اه‍. فتعقبه الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» فبين ضعفه، فقال: «في إسناد هذا الحديث أمران يوجب كل منهما ضعفه: أحدهما: انقطاعه بين الزبير وأيوب؛ فإنه رواه عن قوم لم يسمعهم.

والثاني: ضعف الزبير هذا؛ قال الدارقطني: روى أحاديث مناكير، وضعفه ابن حبان أيضًا، لكنه سماه أيوب بن عبد السلام، فأخطأ في اسمه. وله طريق أخرى عن وابصة، خرجه الإمام أحمد أيضًا من رواية معاوية بن صالح عن أبي عبد الله السلمي، قال: سمعت وابصة؛ فذكر الحديث مختصرًا، ولفظه: قال: «البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك، وإن أفتاك عنه الناس». والسلمي هذا قال علي بن المديني: «هو مجهول». ثم قال: «وقد روي هذا الحديث عن النبي ﷺ من وجوه متعددة، وبعض طرقه جيدة»، فراجعه لمزيد الفائدة.


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.
(11) «الأدب المفرد بالتعليقات» لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبي عبد الله (المتوفى 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني ط1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض 1419هـ.

تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.