الكفر والشرك أول موانع حصول محبة الله للعباد

الكفر والشرك أول موانع حصول محبة الله للعباد

الكفر والشرك أول موانع حصول محبة الله للعباد

فهاتان حالان، لصاحب إحداهما أو كلتيهما خيرُ مآل عند الكبير المتعال سبحانه؛ فالأول: له زوجة جميلة يشتهيها، وفراش ناعم مريح؛ فترك ذلك كله لله تعالى، ويقوم للتهجد بالليل؛ فيقول الله تعالى: «يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد»؛ يعني: يدع شهوته وحاجة نفسه إلى النوم أو إلى امرأته من أجل مناجاتي وذكري، ولو شاء نام ولم يقم.

والثاني: رجل سافر مع رفقة، فسهروا بالليل ونصبوا -أي تعبوا- ثم هجعوا -أي ناموا- ولا شيء هو أحب وأشهى للمسافر من النوم بعد التعب والسهر؛ فقام هو من دونهم يصلي بالسحر، وهو جوف الليل الآخر، وترك النوم لله تعالى، وقام يناجيه بالسحر ويدعوه. وعن أبي ذَرٍّ I عن رَسُولِ الله ﷺ قال: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ الله.. فذكر منهم: الْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ، فَيَنْزِلُونَ، فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ»([1]).

وقوله: «في سراء أو ضراء» يعني: أن ذلك حاله مع ربه لا يختلف، يذكر الله على كل حال، سواء كان في مسرة أو في مضرة.

قال الحافظ ابن رجب T: «من فضائل التهجد أن الله تعالى يحب أهله، ويباهي بهم الملائكة، ويستجيب دعاءهم»([2])، وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو L؛ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»([3]).

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ I عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَجِبَ رَبُّنَا D مِنْ رَجُلَيْنِ؛ رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ رَبُّنَا: أَيَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ، وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ؛ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي. وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ الله D فَانْهَزَمُوا، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي. فَيَقُولُ الله D لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ»([4]).

وإذن فمقيم الليل محبوب إلى ربه تعالى، وهو أحب إليه سبحانه إذا كان مديمًا على ذلك، أو كان صاحب زوجٍ جميلةٍ وفرُش وثيرة، أو في سفر فهجع الرفاق وقام فصلى، أو كان ذلك ديدنه وشأنه في السراء والضراء والحضر والسفر، لا يتخلف ليلة عن القيام بين يدي ربه سبحانه يناجيه في جوف الليل الآخر.

خلاصة هذا السبب:

1- كما أن الكفر والشرك أول موانع حصول محبة الله للعباد؛ فإن الإيمان بالله تعالى وحده أول أسباب تحل محبته تعالى للعباد، وأنه أحب الأعمال إليه سبحانه، وذلك لأنه لا تصح الأعمال إلا بعد الإيمان؛ لحديث عائشة أم المؤمنين ڤ: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصلُ الرحم ويطعم المسكينَ، فهل ذاك نافِعُه؟ قال: «لا ينفعُه، إنَّه لم يقل يومًا: ربِّ اغفِرْ لِي خطيئتي يوم الدِّين»([5])، وغيره من النصوص في ذلك.

2- أن الصلاة على وقتها أحب الأعمال إلى الله تعالى، وأول أسباب تحصيل محبَّته سبحانه؛ لدخولها في الإيمان دخولا أوليًّا لا ينفك عنه.

3- مما يلحق بهذا صلاة الجماعة في المساجد؛ خاصة المسجد الجامع، وبخاصة صلاتي الفجر والعشاء.

4- قول: «آمين» بعد انتهاء الإمام من تلاوة الفاتحة.

5- وكذلك كثرة السجود لله تعالى، وسجود الشكر؛ خاصة عند نزول مصيبة.

6- قيام الليل، وهو أحب إليه سبحانه إذا كان مديمًا على ذلك، أو كان صاحب زوجٍ جميلةٍ وفرُش وثيرة، أو في سفر فهجع الرفاق وقام هو فصلى، أو كان ذلك ديدنَه وشأنَه في السراء والضراء والحضر والسفر، لا يتخلف ليلة عن القيام بين يدي ربه سبحانه يناجيه في جوف الليل الآخر.

ثم صلاةُ الليل في السفَر؛ فإنها وإن كانت نافلةً في موطن رخصة دليل همة العابد وارتباط العبدِ بربه، ثم إنها عملُ خيرٍ ينبغي للمواظب عليه ألا يهجره في حضَرٍ ولا سفر، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها، كما سيأتي في آخر هذا الباب.


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.


(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.


(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.


(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).


بقلم / محمد صقر 


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.