ما الذي تعرفه عن العصيان الذي يَكْفُر صاحبه؟

العصيان الذي يَكْفُر صاحبه

بقلم / محمد صقر 

العصيان الذي يَكْفُر صاحبه:

الصواب أنه لا يكفَّر المسلم بذنبٍ يرتكبه.. هذه عقيدة أهل السنة؛ أنه ليس كل عاصٍ كافرًا([1])، خلافًا للخوارج الذين يقولون: إن مرتكب الكبيرة كافر. فهذا من ضلالاتهم المضلَّة، وللمعتزلة الذين يقولون: إنه في منـزلة بين منـزلتين أو هو فاسق.

ونفوا عنه اسم الإيمان([2])؛ لأنه ليس من أحدٍ إلا ويعصي سوى المعصومين، ومع ذلك ليس المعصومون وحدهم المؤمنين، وقال ﷺ: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا؛ لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»([3]). وليس معنى هذا أن كل مرتكبٍ إثمًا يظل به مؤمنًا، فهذا قول المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية. فأهل السنة على أنه قد يضر إذا لم يعتقد الطاعة؛ أي أنه تجب عليه الطاعة؛ فهذا كافر، وليس من عصى تكاسلًا أو ضعفًا أو جهلًا أو تأوُّلًا.

وتوضح الآيات في سورة النساء بعد الآية السابق إيرادها كفر من لم يطع الرسول؛ فيقول تعالى:﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا **(81 )- أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ** 82 -وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلً **83 -فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [الآيات من 81 إلى 84 من سورة النساء].([4]).

قال: أي يقولون إذا كانوا عندك: أمرنا طاعة، أو نطيع طاعة. وقولهم هذا ليس بنافع؛ لأن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيعٍ حقيقة؛ لأن الله لم يحقق طاعتهم بما أظهروه؛ فلو كانت الطاعة بلا اعتقاد حقيقة لحكم لهم بها. فثبت أن الطاعة بالاعتقاد مع وجودها([5]).

والخلاصة أن طاعة الله ورسوله من الإيمان، ومعصيتهما من الكفر. بل -إن شئت الحق- فإن طاعة الله ورسوله هي كل الإيمان، وهي طاعة واحدة لا يجوز فصل بعضها عن بعض. وكذلك فإن معصيتهما أو أحدهما هي كل الكفر وليست جزءًا منه؛ لأن الكفر الأكبر لا يُجزَّأ؛ فمن أنكر أصلًا من الإيمان كفر ولو آمن بجميع الأصول الأخرى.

وإذن تكون معصية الله ورسوله مانعة من محبَّة الله تعالى عبده العاصي، فمن أراد أن يحبه الله فليطعه ورسوله معًا؛ لأن أمرهما واحد ونهيهما واحد.

على أن طاعة الله تعالى والنبي ﷺ متلازمتان؛ فلا تصح إحداهما إلا إذا صحت الأخرى؛ فالتوحيد توحيدان: توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول ﷺ، وكل الطرق مسدودة إلا طريق رسول الله ﷺ، وكل من أراد نفسه وتزكيتها؛ فعليه بالمتابعة الصادقة لرسول الله ﷺ.. علمًا وعملًا واعتقادًا([6]).

وتبيِّن هذه الآية أن الكفر كله مانع من حب الله تعالى عبده؛ لكن الكفر كله محصور -بحسب هذه الآية([7])- في عدم التزام الإسلام الذي ارتضاه الله دينًا لعباده وأحبائه. والالتزام بهذا الإسلام هو طاعة النبي ﷺ في كل ما أمر به ونهى عنه، «وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه في نحو أربعين موضعًا من القرآن؛ فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتباعه منها إلى الطعام والشراب»([8]).

وقد ذكر الله ذلك جليًّا واضحًا مفصَّلًا محكَمًا، فقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠]، وهذا بدهي؛ إذ لا يُعرف الله سبحانه حق المعرفة ولا الأحكام التي تعبَّدَنا بها إلا من طريق رسوله ﷺ.

ثالثًا- بغضه تعالى مستحلَّ الربا:

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ إلى قوله: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 275-276].

فلما ذكر الله حال المنفقِين -قبل هاتين الآيتين- وما لهم عند الله من الخيرات، وما يكفر عنهم من السيئات والخطيئات؛ ذكر الظالمين من أكَلة الربا والمعاملات الخبيثة، وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم؛ فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين، عوقبوا في البرزخ والقيامة بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم.

وذلك عقوبة لهم وخزي وفضيحة، وجزاء لهم على مراباتهم ومجاهرتهم، فجمعوا -بجراءتهم على الله وعلى أحكامه- بين ما أحلَّ الله وبين ما حرم، واستباحوا بذلك الربا.

فسيماهم التي يعرفون بها بين الخلائق الذين كان بعضهم يتخفى منهم ويرسل الناس يرابون له؛ فيفضحهم الله ويهتكهم، فيسيرون يتخبطون كالمجانين والمصروعين والمخابيل وقد أخبر النبي ﷺ أنه مر -ليلةَ أُسْرِيَ به- بقومٍ لهم أجواف كالبيوت فسأل عنهم، فقيل: هم أكلة الربا.

وروى البخاري عن سمرة بن جندب -في حديث المنام الطويل-: «فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم- وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر فاه له، فيلقمه حجرًا»، وذُكِر في تفسيره أنه آكلُ الربا»([9]).

ما الربا، وما أقسامه وحكمه([10])؟

(1) تعريفه: الربا لغة: الزيادة، والمقصود به هنا: الزيادة على رأس المال قلَّت أو كثرت. وشرعًا: هو زيادة مشروطة في مبادلة مال بمال بلا مقابل.. يقول الله سبحانه: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩].

(2) حكمه: هو محرَّم في جميع الشرائع السماوية، ومحظورٌ في اليهودية والمسيحية والإسلام.

 (أ) فقد جاء في العهد القديم: (إذا أقرضتَ مالًا لأحد من أبناء شعبي فلا تقِفْ منه موقف الدائن، لا تطلب منه ربحًا لمالك)([11])؛ إلا أن اليهود لا يرون مانعًا من أخذ الربا من غير اليهودي كما جاء في سفر التثنية، وقد رد عليهم القرآن؛ قال: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: ١٦١].

 (ب) وفي كتاب العهد الجديد: (إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة فأي فضل يُعرَف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها. وإذن يكون ثوابكم جزيلًا)([12]). وقد حرم رجال الكنيسة الربا تحريمًا قاطعًا، وقال سكوبار: إن من يقول: إن الربا ليس معصية يعد ملحدًا خارجًا عن الدين([13]).

(ﺟ) وتناول القرآن الكريم الربا في عدة مواضع مرتبة ترتيبًا زمنيًّا. ففي العهد المكي نزل قول الله سبحانه: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ[الروم: ٣٩].

وفي العهد المدني نزل تحريم الربا صراحة في قول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٠]. وآخر ما ختم به التشريع في الربا قول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  278 ** -فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ 279 ﴾ [البقرة: ٢٧٨، ٢٧٩].

(د) وقال ﷺ: «اجتنبوا السبع الموبقات.. وأكل الربا»([1]). وعن جابر   قال: لعن رسول الله ﷺ آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. قال: «هم سواء» ([2]).

الحكمة في تحريمه:

(أ) أنه يسبب العداوة بين الأفراد ويقضي على روح التعاون. (ب) أنه يؤدي لإيجاد طبقة المترفين التي لا تعمل، ومع ذلك تتضخم الأموال في يديها. (ج) أنه وسيلة الاستعمار كما حدث في زماننا وقبله. (د) أنه يلغي أبواب الخير؛ كالتصدق والزكاة والإقراض الحلال.. إلخ.

(4) أقسامه:

(أ) ربا النسيئة (الأجل): وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، وهذا النوع محرَّم بالكتاب والسنَّة وإجماع الأئمة.

(ب) ربا الفضل (الزيادة): وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وهو محرم بالسنة والإجماع؛ لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة.. قال ﷺ: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين»

. وقال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والملح بالملح، مِثْلًا بمثل، يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربَى. الآخذ والمعطي سواء».

ويشترط في بيع المِثْلَيْنِ من الستة المحرم بيعها بأمثالها شرطان:

الأول: التساوي في الكمية بصرف النظر عن الجودة والرداءة.  والثاني: عدم تأجيل أحد البَدَلَين.

وقال الإمام القرطبي مختصرًا: (الربا) كل مالٍ حرام بأي وجه اكتسب. والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النَّساء (النسيئة)، والتفاضل في العقود وفي المطعومات (ربا الفضل).

وغالبه ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم (المدين): أتقضي أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه، وهذا كله محرَّم باتفاق الأمة.

 

الفرق بين أكله واستحلاله:

 أي: إنما جُوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، وليس هذا قياسًا منهم الربا على البيع؛ لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع، فلم حُرِّم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع؛ أي: هذا مثل هذا، وقد أحل هذا وحرم هذا.

ويحتمل أن يكون من تمام الكلام ردًّا عليهم؛ أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكمًا، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحُه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل؛ ولهذا قال: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275]؛ أي: من بلغه نَهْيُ الله عن الربا، فانتهى حال وصول الشرع إليه؛ فله ما سلف من المعاملة.. لا يأمره برد الزيادة التي أخذ، ومن كان تعاقد على أخذ زيادة، ونزل الشرع قبل أخذها؛ فلا يأخذ إلا رأس ماله.

وقال العلامة السعدي: فجمعوا -بجراءتِهم- بين ما أحلَّ اللهُ وبين ما حرَّم اللهُ، واستباحوا بذلك الربا.  أما عن كَفَّار وأثيم وعلاقتهما بآكل الربا وبمستحلِّه؛ ففيه توضيح لا يتأتى إلا ببحث اللفظين «كفار» و«أثيم» بحثًا لغويًّا -سيأتي- وتبقى النقطة المهمة في جواب هذا السؤال: هل الكفَّار الأثيم هو آكلُ الربا من دون استحلاله؟ أم هو مستحلُّه؟ أم كلاهما؟ أم أن أحدهما الكفَّار والآخر الأثيم؟

الحق أن أكل الربا من أكبر الكبائر؛ بل هو من الأخطاء التي لا يستطاع تصحيحها بسهولة.. أما أنه من أكبر الكبائر؛ فلأنه منافٍ للتقوى ومضادٌّ للإيمان.. قال تعالى: ﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨].

وأنه أحد صفات وخصائص اليهود والمشركين.. ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا 160 ** -وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 161 ﴾ [النساء: ١٦٠، ١٦١]. وقد عدَّه النبي ﷺ من الموبقات السبع( ). ولعن الله ورسوله فيه خمسة.. آكِلَه وموكِلَه وكاتبَه وشاهديه .

وقد نقل العلامة ابن حجر الهيتمي علامات وضعها العلماء لمعرفة الكبيرة، أغلبها ينطبق على أكلِ الرِّبا.. منها: أن يكون عليها وعيدٌ شديد بنصِّ كتابٍ أو سنَّة، وأن يُنَصَّ على تحريمها، وأن تكون مما يؤذِنُ بعدم اكتراث في الدِّين، وأن تكون محرمة لذاتها، وأما عن كون أكل الربا مما لا يستطاع التخلص منه بسهولة؛ فلكونه أكلًا يُربي لحمًا، وقد قال النبي ﷺ: «كل لحم نبت من حرامٍ فالنار أولى به»

(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.


(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.


(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.


(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).


(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.


(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).


(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).


(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).


(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.


(11) «الأدب المفرد بالتعليقات» لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبي عبد الله (المتوفى 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني ط1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض 1419هـ.


(12) «الأربعين الصغري» لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني أبي بكر البيهقي (المتوفى 458هـ) تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري ط1 دار الكتاب العربي 1408هـ.


(13) «الأربعين النووية» لأبي زكريا محيي الدين النووي (المتوفى 676هـ) تحقيق: قصي محمد نورس الحلاق وأنور بن أبي بكر الشيخي ط1 دار المنهاج للنشر والتوزيع (ط. ت).


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.