أول مَن آمن بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كانت السيدة خديجة، وبعد خديجة آمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهة وكان صبيًا لم يبلغ الحُلم، و يقول كُتاب السيرة إن الصلاة فُرضت علي الرسول عليه الصلاة والسلام، مع نزول أول وحي، علّمه سيدنا جبريل كيف يكون الوضوء ثم صلي به.. وكانت خديجة أول مَن صلي معه عندما عاد إليها..
كان محمد يدعو الرجال وخديجة تساعده في شرح دعوته لمَن تعرفهن من النسوة، وتعرضت أكثر من مرة للأذي بسبب هذا الأمر.. عانت خديجة الزوجة والأم كثيرًا.. عانت بسبب فراقها عن ابنتها «رقية» عندما هاجرت مع زوجها، عثمان بن عفان، إلي الحبشة، ووداعها لها أحزن قلبها.. ولكن أذي قريش كان قد تمادي.. أحد عشر رجلًا وأربع نساء من خيرة الناس هاجروا معًا.
وأعلن كفار قريش الحرب علي محمد ومَن اتبعه وقرروا قتله وضيّقوا عليه الخناق وأعلنوا عليه الحصار عندما دخل شِعْب أبي طالب، ومنعوا الناس من الاتصال به أو الدخول إليه.. حصار قاسٍ جدًا، استغرق سنة، نفد ما كان لدي بني هاشم وعبدالمطلب من مخزون، وبدأت مرحلة التجويع.. ثلاث سنوات من الجوع والحصار، صبروا فيها علي المحنة رغم أنهم وصلوا إلي مرحلة أكل ورق الأشجار لقلة ما توفر من طعام..
حتي لانت قلوب بعض سادة قريش، ونادوا بفك الحصار.. لينتهي في السنة العاشرة للبعثة. ولكنه كان قد ترك أثره علي صحة خديجة.. خرجت منه ضعيفة مُعْتَلّة.. ورغم هذا لم تتذمر وأكملت واجباتها وحياتها، كزوجة وأم.. بقيت علي حبها وعطائها رغم اعتلال صحتها حتي لبت نداء ربها بعد أن بشرها زوجها رسول الله، صلي الله عليه وسلم، بالجنة.. والبشارة جاءت علي لسان سيدنا جبريل عندما كان ذات مرة في غار حراء وأتته تحمل إناء فيه طعام، فطلب منه سيدنا جبريل أن يُقْرئها السلام منه ومن الله سبحانه وتعالي.
وبشّرها ببيت في الجنة.. السيدة خديجة كرّمها الله عندما رزقها وحدها بأولاد رغم أن الرسول تزوج كثيرات بعدها.. كرّمها بأنه لم يتزوج عليها في حياتها.. كرّمها عندما شاركته أهم لحظات حياته عند نزول الوحي عليه.. وأنزل علي قلبها الإيمان، فصدّقته وآمنت به وساندته.. لذا تستحق أن تكون واحدة من سيدات العالمين، وتستحق أن تكون واحدة من سيدات الجنة.. كيف لا وهي مَن قالت له: «والله لا يُخْزيك الله أبدًا، إنك لَتَصِل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين علي نوائب الحق».
بقي الرسول يذكر خديجة بالخير، حتي إن السيدة عائشة كانت تغار منها، ورغم حب سيدنا محمد لعائشة فإنه طلب منها أن تعده بألّا تذكرها إلا بخير.. وقد كان.. رزق وفير من الحب والود والإخلاص والوفاء كان من نصيب سيدنا محمد.. خديجة عنصر دفع رئيسي ساعده كثيرًا في الدعوة، ورسالة واضحة للعالمين بأن وراء كل رجل عظيم امرأة، وخديجة ليست كأي امرأة.