قد لا نعلم عن ظروف الآخرين سوي قشور بسيطة علي سطح حياتهم، تفتح المجال الواسع لمن لا يُعمل عقله بأن يضعهم في مرمي التهكم والسخرية، بينما واقع حالهم يدعو للتعاطف والرفق بهم، بل والدعاء لهم بأمنيات الخير.
صديق دائم المزاح مع أحد الطيبين، خاطبه ذات مرة بنبرة ساخرة، مخبرًا إياه أنه لن يري رائحة الزواج طوال عمره، وسيموت فردا بلا ذرية، إذ وصل سنه إلي الخامسة والثلاثين، وهو ما دعاه لإطلاق هذه المزحة عليه ظنًا منه أنها مثيرة لضحكات الآخرين.
كنت أعلم مسبقا ظروف الشاب الثلاثيني التي تحول بينه وبين الزواج، بل وربما فقدانه الأمل فيه، إذ يعول أسرته كاملة، فضلاُ عن ضيق ذات اليد التي تجعله ينفق كل دخله المحدود للغاية علي مصروفات دواء والدته، رغم محاولاته الحثيثة للتكسب من أكثر من عمل علي مدار يومه.
وحينما علم الصديق الساخر بهذا ندم علي ما قال، وأدرك أنه تسبب في أذي نفسي، لشخص ليس له من أمر ظروفه شيئا، إلا التوكل والسعي والاجتهاد لتحسينها، ولكنها إرادة الله.
ربما أشعلت كلمة عابرة، نارًا في النفس، وحسرة علي العمر، وسقوطا في غياهب اليأس، وقد تدفع للتخلص من الحياة برمتها. لنتخير الكلمات قبل نطقها، لنتخيل وقعها علي أنفسنا أولًا قبل إطلاق رصاصتها القاتلة علي الآخرين، الذين لا ذنب لهم في ظروفهم، وقد كان من الوارد أن تضعنا الأقدار في موضعهم.
لنحمي الآخرين من فلتات ألسنتنا الموجعة، نفكر في وقع الكلمة قبل إطلاق زناد القسوة، نتعقل أن نضرب نفسا تحيا علي الأمل، فنصيبها في مقتل، أن ننضم إلي مصاف من يتقيهم الناس لفحش ألسنتهم، فيتبسمون لنا جهرا، ويلعنونا سرا.
