الحضانات العشوائية ظاهرة خطيرة انتشرت خلال الفترة الماضية فى كل مكان، حتى وصلت إلى قرى الريف فى الصعيد وبحرى، وتحولت إلى مهنة من لا مهنة له، فمن خلال شقة صغيرة أو غرفة كبيرة يتجمع بها 40 طفلا على الأقل، لا مكان مخصص للألعاب أو الأنشطة أو الترفيه، لا يوجد متخصصون يمكنهم التعامل مع الأطفال، أو وجبات ساخنة يتم من خلالها تدعيم النظام الغذائى لهم، فالأمر يسير بصورة عشوائية تماما، فالمكان بدون ترخيص وبدون تجهيز، وبدون نظام تهوية، وبدون رعاية أو مربين يعرفون التعامل مع الطفل فى هذه السن المبكرة.
الحضانات العشوائية فى القرى والأرياف وبعض المناطق الشعبية والعشوائية فى أطراف القاهرة والجيزة، هى النسخة المشوهة من " كُتاب القرية " القديم، الذى كان يتوجه إليه الأطفال يوميا فى الفترة من بعد الظهر، حتى اقتراب صلاة المغرب، لتعلم حروف الهجاء وبعض الكلمات وما تيسر من القرآن، فقد كانت الميزة فى الُكتاب أنه لم يكن يقبل الأطفال الصغار.
ولا يقدم استضافة لأحد، بل يعمل وفق أسبقية الحضور من يراجع درسه ويتقن حفظه يرحل بسلام، إلا أن الوضع فى الحضانات العشوائية أكثر خطورة فقد باتت بيئة ناقلة للعدوى بين الأطفال، خاصة فى فصل الشتاء، فلو أن طفلا واحدا مصابا بفيروس الأنفلونزا أو أى مرض معدى قد ينقل بسهولة المرض لكل من حوله.
بالأمس القريب تحدثت مع أبناء قريتى فى بنى سويف، وقد أخبرونى أنه تم غلق كل الحضانات الموجودة فى القرية بعد تفشى العدوى بين الأطفال، نظرا لعدم وجود الأساليب الوقائية الكافية لحماية الأطفال، بالإضافة إلى غياب الوعى المجتمعى الفعال لدى أولياء الأمور، الذين يتوهمون أن الطفل فى عمر 3 أو 4 سنوات يجب أن يعرف القراءة والكتابة، مع العلم بأن النشاط والترفيه فى هذه المرحلة هو الأهم والعامل الرئيسى لبناء شخصية الطفل.
على كل الجهات المعنية أن تتصدى بقوة للحضانات العشوائية، التى انتشرت فى كل ربوع مصر، باعتبارها خطر شديد يقدم نوع مشوه من التعليم والرعاية، خارج عن رقابة الدولة والمؤسسات المعنية، فالأمر ليس مجرد مشروع صغير أو تجارة لتحقيق مكسب، بل مؤسسة تربوية تعليمية، يجب أن يقوم عليها مجموعة مؤهلة قادرة على إكساب مهارات التعلم المختلفة لدى النشء الصغير بدلا من أن تستغل كمفرخة لأفكار الجماعات المتطرفة، كما كان يحدث من قبل.