الجهاد في سبيل الله .. فضل الجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله

عرض له، فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله D؟ قال: «كلمة حق تقال لإمام جائر»، قال محمد بن الحسن -في حديثه- وكان الحسن يقول: لإمام ظالم([1]).

قال المناوي T: «أحب الجهاد إلى الله كلمة حق»؛ أي موافقٌ للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب، والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا، ذكره الراغب، وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها. «تقال لإمام» سلطان «جائر» ظالم؛ لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فقد تعرض للهلاك واستيقنه؛ فهو أفضل، والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا، فلا حاجة لتقدير من([2]).

وقال: «كلمة حق» بالإضافة، ويجوز تركها وتنوينها، وفي رواية للترمذي: «عدل» بدل «حق»، وأراد بالكلمة الكلام، وما يقوم مقامه كالخط، «عند سلطان جائر» أي ظالم؛ لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف؛ فهو أفضل من جهة غلبة خوفه، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير، فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر، والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر([3]).

وبذا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءًا لا يتجزَّأ من الجهادِ، ويكون أمرُ ونهيُ السلطان الجائر الظالم أفضلَ الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.

ثانيًا- الجهاد في سبيل الله:

الجهاد في سبيل الله تعالى يحتاج إلى كتابٍ ضخمٍ لتفصيلِه، وقد أُلِّفَت فيه المجلدات الكبار، ألَّفها العلماء قديمًا وحديثًا؛ فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونرجُو أن يوفِّقنا الله تعالى لندلي بدلونا فيه بكتاب عقدناه بعنوان «خصام اللئام والكرام في ذروة السَّنام»، نريد أن نبيِّن فيه الاختلاف حول حكم الجهاد في زمنٍ ترك الناس فيه العمل وأخذوا في اللجاجة، ويكفِي الجهادَ فضلًا أن يقولَ الصادق المصدوق فيه: «رأسُ الأمرِ الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»([4]).

ونكتفي هنا بهذا الفصل الرائع -على صغَرِه- من الشيخ أحمد فريد في كتابِه الفريد «البحر الرائق في الزهد والرقائق»([5]) قال:

الجهاد -في العربية- معناه: بذل الجهد. وشرعًا: هو بذل الجهد في مقاتلة المشركين والبُغاة. ولم يُشرَع الجهاد إلا بعد الهجرة، فقد كان المسلمون في مكة مأمورين بأن يكفُّوا أيديَهم ويقابلوا أذى المشركين بالعفو والصبر، فلما هاجروا إلى المدينة وانضموا إلى إخوانهم الأنصار؛ قوِيَت شوكتُهم واشتدَّ جناحُهم، فأُذِن لهم حينئذ في القتال ممن ظلموهم بمكة، ولكنه لم يُفرض عليهم، فقالَ تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: ٣٩].

ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ من قاتلَهم دون من لم يقاتِلْهم، فقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: ١٩٠]، ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ المشركين كافَّة، فقال D: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٣٦]؛ فهذه هي مراتب مشروعيَّة الجهاد، كان أوَّل الأمر محرَّمًا، ثم صار مأذونًا فيه، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين.

قال الشيخ حسن البنا T: وقد أجمع أهل العلم مجتهدين ومقلِّدين، سلفِيين وخلَفيين، على أن الجهاد فرضُ كفايةٍ على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة، وفَرْض عَيْنٍ لدفع هجوم الكفار عليها، والمسلمون الآن -كما تَعلم- مستذلُّون لغيرهم.. محكومون بالكفار..

قد ديست أرضُهم، وانتُهِكَت حرُماتهم، وتحكَّم في شئونهم خصومُهم، وتعطلت شعائر دينهم في ديارهم فضلًا عن نشر دعوتهم؛ فوجبَ وجوبًا عينيًّا لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم وأن ينطوي على نيَّةِ الجهاد وإعداد العدَّة له، حتى تحين الفرصةُ ويقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموْتَة الشريفة يهبُ لها اللهُ الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهَن الذي أذلنا إلا حبُّ الدنيا وكراهية الموت.

وقال الإمام ابن القيم T: قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٤١]، وعلَّق النجاةَ من النار به، ومغفرةَ الذنب ودخول الجنة؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: ١٠-١٢]، وأخبرهم أنَّهم إذا فعلوا ذلك أعطاهم من النصر والفتح القريب، فقال: ﴿ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: ١٣]

وأخبر سبحانه أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وأن هذا الوعد قد أودَعه أفضل كتبه المنـزَّلة من السماء، وهي التوراة والإنجيل والقرآن، ثم أكَّد ذلك بإعلامهم أنه لا أحدَ أوفى بعهده منه تبارك وتعالى، ثم أكد ذلك بأنْ أمرَهم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقَدُوه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم؛ فليتأمَّل العاقد مع ربه عقد هذا التبايُع ما أعظم خطرَه وأجلَّه.

فإن الله D هو المشتري والثمن جناتُ النعيم والفوز برضاه والتمتُّع برؤيته هناك والذي جرى على يده هذا العقد أشرَف رسُلِهِ وأكرمهم عليه في الملائكة والبشر، وإنَّ سلعةً هذا شأنها لقد هُيِّئَت لأمر عظيم وخطبٍ جسيم.

قد هيَّئوك لأمر لو فطنت له  فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل #تنسيق شعر#

مَهْر المحبة والجنة بذلُ النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما للجبان المعرِض المفلِس وَسَوْم هذه السلعة؟! بالله ما هزلت فيَسْتامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسِرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يريد، فلَم يرض ربها لها بثمنٍ دون بذل النفوس؛ فتأخر البطَّالون وقام المحبُّون ينتظرون أيهم يصلح أن تكون نفسُه الثمن، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: ٥٤]..

لما كثُرَ المدعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادعى الخلِيُّ حرفة الشجِيِّ، فتنوع المدعون في الشهود؛ فقيل: لا تُثبِتُ هذه الدعوى إلا بينة ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: ٣١]، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول ﷺ في أفعاله وأقواله وهَدْيه وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة، وقيل: لا تُقبل العدالةُ إلا بتزكية ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ  ﴾ [المائدة: ٥٤]،

فتأخَّر أكثرُ المدعين للمحبة وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوسَ المحبين وأموالهم ليست لهم فسلِّموا ما وقع عليه العقد، فـ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١١١].

وعقْدُ التبايع يوجب التسليمَ من الجانبين، فلمَّا رأى التجَّار عظمة المشتري، وقدر الثمن، وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه، ومقدار الكتاب الذي أثبِتَ فيه هذا العقد؛ عرفوا أن للسلعة قدْرًا وشأنًا ليس لغيرها من السلع، فرأوا من الخسران البيِّن والغبن الفاحش أن يبيعوها بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة تذهب شهوتُها وتبقى تَبِعَتُها وحسرتها؛

فإن فاعل ذلك معدودٌ في جملة السُّفَهاء، فعقدوا مع المشتري بيعةَ الرضوان رضاءً واختيارًا من غير ثبوت خيار، وقالوا: والله لا نُقِيلك ولا نستقيلُك. فلما تم العقد وسلموا المبيعَ؛ قيل لهم: قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا، والآن فقد رددناها عليكم أوفَرَ ما كانت وأضعافَ أموالكم معها.. ﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [آل عمران: ١٦٩].. لم نبتغِ منكم بنفوسكم وأموالِكم طلبًا للربح عليكم؛ بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجلّ الأثمان، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمَّن.

فحيَّهـلا إن كنـتَ ذا همـة فقـدْ حدا بك حادي الشوق فاطوِ المراحلا

وقـل لمنـادي حُبـهم ورضـاهُمُ إذا ما دعـا لبيـك ألفًـا كوامـلا

ولا تنـظرِ الأطلالَ مـن دونهم فإنْ نظـتَ إلى الأطـلال عُـدن حوائـلا

ولا تنتظـرْ بالسيـر رفقـة قاعدٍ ودعـه فإنَّ الشـوق يكفيك حاملا

فما هي إلا سـاعة ثـم تنقضـي

صبـحُ ذو الأحـزان فرحـانَ جازلا #تنسيق شعر#

 

(1) فضلُ الجهاد في سبيل الله:

(أ) الآيات: قال الله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [البقرة: ٢١٦]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [التوبة: ٤١]، وقال تعالى: ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ﴾ [التوبة: ١١١]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ * ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [النساء: ٩٥، ٩٦].

وما أكثر الآيات، بل ما أكثر السُّوَر وما أطولها.. تلك التي تحثُّ عليه، وتبين فضله، ودرجة آتيه، وتلك التي تحذر من التقاعص عنه، وتفضل المجاهدين على القاعدين. بل وليست الآيات فقط.

(ب) الأحاديث: عن أبي هريرة I قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ فقال: دُلَّني على عملٍ يعدِل الجهاد؛ قال: لا أجِدُه. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدَك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟». قال أبو هريرة: إن فرَس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات([1]).

وعن أبي سعيدٍ الخدْري I قال: «قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله ﷺ: مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. قالوا: ثم من؟ قال: مؤمنٌ في شِعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره»([2]).

وعن أنس بن مالك I، عن النبي ﷺ أنه قال: «لغُدْوَة في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها»([3]).

وعن سلمانَ I قال: سمِعت رسولَ الله ﷺ يقول: «رِباطُ يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عملُه الذي كان يعمل وأُجرِي عليه رزقُه وأمِن الفتان»([4]). وعن أبي هريرة I قال: قال رسول الله ﷺ: «من مات ولم يغز ولم يحدِّث به نفسه؛ مات على شُعبةٍ من النفاق»([5]). وعن أبي هريرة I قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مثَل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخلَه الجنَّة أو يُرجِعَه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة»([6]).

وعن ابن عمر L قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلَّط اللهُ عليكم ذلًّا لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»([7]). قال الألبانِيُّ: فذكر أن تسليطَ الذل ليس هو لمجرَّد الزرع والحرث، بل لِما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيلِ الله؛ فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرْعُ الذي لا يقتَرِن به شيءٌ من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغِّبة في الحرث؛ فلا تعارُضَ بينها ولا إشكال.

(ﺟ) الآثار: رَوى الذهبي أن ابن المبارك لمَّا كان مرابِطًا بطرطوس سنةَ سبعٍ وسبعين ومئة، أرسَل إلى الفضيل بن عِياض رسالَةً فيها هذه الأبيات:

يا عـابِدَ الحرَمَيـن لـو أبصـرتـَنا            لعلِمـتَ أنَّـك في العبادة تلعـبُ

من كـتـان يخضـب خـدَّه بدموعـه          فنحـورُنا بدمائنـا تتخـضَّـب

أو كـان يُتعِـب خيـله فـي باطـلٍ             فخيـولنا يـوم الصَّبِيحة تتعـب

فحيَّهـلا إن كنـتَ ذا همـة فقـدْ حدا بك حادي الشوق فاطوِ المراحلا

وقـل لمنـادي حُبـهم ورضـاهُمُ إذا ما دعـا لبيـك ألفًـا كوامـلا

ولا تنـظرِ الأطلالَ مـن دونهم فإنْ نظـتَ إلى الأطـلال عُـدن حوائـلا

ولا تنتظـرْ بالسيـر رفقـة قاعدٍ ودعـه فإنَّ الشـوق يكفيك حاملا

فما هي إلا سـاعة ثـم تنقضـي  ويُصبـحُ ذو الأحـزان فرحـانَ جازلا #تنسيق شعر#

 

(1) فضلُ الجهاد في سبيل الله:

(أ) الآيات: قال الله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [البقرة: ٢١٦]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [التوبة: ٤١]، وقال تعالى: ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ﴾ [التوبة: ١١١]، وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ * ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [النساء: ٩٥، ٩٦].

وما أكثر الآيات، بل ما أكثر السُّوَر وما أطولها.. تلك التي تحثُّ عليه، وتبين فضله، ودرجة آتيه، وتلك التي تحذر من التقاعص عنه، وتفضل المجاهدين على القاعدين. بل وليست الآيات فقط.

(ب) الأحاديث: عن أبي هريرة I قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ فقال: دُلَّني على عملٍ يعدِل الجهاد؛ قال: لا أجِدُه. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدَك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟». قال أبو هريرة: إن فرَس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات([1]). وعن أبي سعيدٍ الخدْري I قال: «قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله ﷺ: مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. قالوا: ثم من؟ قال: مؤمنٌ في شِعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره»([2]).

وعن أنس بن مالك I، عن النبي ﷺ أنه قال: «لغُدْوَة في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها»([3]).

وعن سلمانَ I قال: سمِعت رسولَ الله ﷺ يقول: «رِباطُ يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عملُه الذي كان يعمل وأُجرِي عليه رزقُه وأمِن الفتان»([4]).

وعن أبي هريرة I قال: قال رسول الله ﷺ: «من مات ولم يغز ولم يحدِّث به نفسه؛ مات على شُعبةٍ من النفاق»([5]). وعن أبي هريرة I قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مثَل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخلَه الجنَّة أو يُرجِعَه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة»([6]).

وعن ابن عمر L قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلَّط اللهُ عليكم ذلًّا لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»([7]).

قال الألبانِيُّ: فذكر أن تسليطَ الذل ليس هو لمجرَّد الزرع والحرث، بل لِما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيلِ الله؛ فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرْعُ الذي لا يقتَرِن به شيءٌ من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغِّبة في الحرث؛ فلا تعارُضَ بينها ولا إشكال.


(1)        «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.

(2)        «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).

(3)        «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.

(4)        «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.

(5)        «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).

(6)        «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.

(7)       «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).


بقلم / محمد صقر


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.