الانتصار في الحرب .. شهادة في سبيل الله

الانتصار في الحرب

قال المناوي: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع»؛ أي قطراتها، فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع نحو كلوا في بطنكم، «من خشية الله»؛ أي: من شدة خوف عقابه أو عتابه، «وقطرة دم تهراق في سبيل الله» أفرد الدم وجمع الدمع تنبيهًا على تفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدموع، «وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله»، قال ابن العربي: الأثر ما يبقى بعده من عمل يجري عليه أجره من بعده.

ومنه قوله: ﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [يس: ١٢]، وقال غيره: الأثر ما يبقى من رسوم الشيء، وحقيقته ما يدل على وجود الشيء، والمراد خطوة الماشي وخطوة الساعي في فريضة من فرائض الله، أو ما بقي على المجاهد من أثر الجراحات، وعلى الساعي المتعب نفسه في أداء الفرائض والقيام بها والكد فيها؛ كاحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها، وانفطار الأقدام من برد ماء الوضوء ونحو ذلك([1]).

(و) وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه للهفإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه»([2]).

أي: قاتل في سبيل الله، فانكشفت فئة من أصحابه أو جماعة وانهزمت؛ فثبت هو وقاتل من ورائها صابرًا محتسبًا، يحمي حوزة المسلمين، فلم يفر ولم يجبن ولم يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله، كما قال تعالى: ﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [التوبة: ٥٢]؛ يعني: إما النصر وإما الشهادة. ولذلك قال في الحديث: «فإما أن يقتل وأما أن ينصره الله ويكفيه»؛ يعني: يكفيه عدوه، ويحفظه ويكلؤه، قال تعالى: ﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [الزمر: ٣٦]؛ فيقول الله D: «انظروا إلى عبدي هذا؛ كيف صبر لي نفسه؟» أي: كيف حبسها لله، وهيأها للقتل في سبيله!!

خلاصة هذا السبب:

أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الخير في الدنيا والآخرة.. في خاصة نفس المسلم وعامة الأمة المسلمة، وأنه لذلك أحد أخطر أسباب تحصيل محبة الله عبادَه، وأن مرتبته في الأسباب هي الثالثة مع الجهاد في سبيل الله تعالى، وبعد الإيمان وصلة الأرحام، وأنه مناط التمكين للأمة في الأرض.

وأما الجهاد في سبيل الله؛ فالواجب فيه ما يلي: اتباع النبيِّ ﷺ في الجهاد. * الإنفاق في الجهاد، وهو الجهاد بالمال. * عدم الضعف والاستكانة والهوان أثناء اللقاء. * الصبْرُ في الجهاد وعليه؛ فإنه من أعظم الصبر. * دعاء الله سبحانه في الجهاد بالثبات والنصرة والمغفرة. * التوكل على الله في أثناء الجهاد، وقبل الخروج إليه. * الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين في الجهاد. *

عدم خشية لوم اللائمين حين يلومونه على الجهاد. * الثبات في الجهاد. * القتال ملتزمًا صفَّ المؤمنين. * الغزو بالفعل، أو على الأقلِّ تحديث النفس به لمن لا يستطيعه. * لُقيا العدوِّ مجاهدًا لا مرائيًا المسلمين ولا مواليًا للكافرين. * الاحتساب في الخروج أنَّه في سبيل الله، وقطْعُ العلائق بغير ذلك. * مقاتلة أعداء الله بالفعل بلا خوفٍ أو رهبة. * الشهادة في سبيل الله. * أمرُ الحاكم الجائر بالمعروف ونهيُه عن المنكر؛ فإنه أفضل الجهاد. * الكَلْمُ في سبيل الله حتى يقطر الدم وينـزف.

وبذا يكون الجهاد جامعًا لكل أسباب محبة اللهَ تعالى عبيدَه، من اتباعٍ وإحسانٍ وتقوى وإقساطٍ وتطهُّر وتوَّابيَّة وصبْرٍ وتوكُّل وذلَّة على المؤمنين وعزة على الكافرين.. إلى آخر الأسباب كما سيأتي؛ إلا أن مرتبته في الأسباب الثالثُ بعد الصلاة لوقتها وبر الولدين؛ لظاهر نص الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود I.

وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءٌ لا يتجزَّأ من الجهادِ، وأمر ونهي السلطان الجائر الظالم أفضل الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.


(1)  «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.

(2)  «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


بقلم / محمد صقر


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.