يروّج كثيرون حاليًا لاقتراب إجراء إصلاحات سياسية وإعلامية.. يبشروننا بتغيير وزاري وشيك.. لكن ما يُكتب ونشاهده على الشاشات لا يخرج عن فحوى واحدة.. وهى أنه تفضل من الحكومة أو النظام وأنه يدخل ضمن قائمة الإنجازات التي حفظناها عن ظهر قلب.. غير أن الإصلاح وفقًا لرؤيتي ليس منحة أو تفضلًا ولكنه حق أصيل للمصريين.. وكما أن هناك استحقاقا رئاسيا فمن الضروري أن نعبر إلى استحقاق شعبي.
أولى خطوات الإصلاح المنتظرة ليست فى زيادة المقررات التموينية وافتتاح المشروعات وتغيير خريطة بعض الأحياء وإضافة أرقام للاحتياطي الأجنبي وأخرى لخفض التضخم وتقليل البطالة.. لكن الإصلاح ينبغي أن يكون محسوسًا وليس شفهيًا أو تلفزيونيا أو متصدرًا الصحف ونشرات الأخبار.
بصراحة إذا عاد البرلمان للشعب بعيدا عن الاختيارات «المعروفة» ومزج بين القائمة والفردي بنسبة لتكن 60% إلى 40% وعاد نواب معارضون محترمون تحت القبة ليسوا من الجماعة المحظورة أو المتعاطفين معها، عندئذ سيكون البرلمان الجديد أول خطوة فى استعادة الظهير الشعبي للنظام خاصة أنه الوحيد الذى تمتع بإجماع غير مسبوق قبل 5 سنوات ولأول مرة منذ جمهورية يوليو 1952.. عندئذ سيكون حب الجماهير للدولة أقوى من أي شيء.. سيتفوق على حصون الأمن ويصبح مرآة حقيقية للشعب وبوصلة لا تخطئ للحاكم.
النظام عليه أن يكافئ المصريين؛ فقد ثبت أن وطينتهم ليست للمفاهمة أو المقايضة ولا يستجيبون لدعاوى التمرد ومراهقات المعارضة الانتهازية.. يستحيل أن يراهن أحد على وطنتينا أو احتمال استجابة طفيفة للإخوان.. لقد فزنا فى مباراة الاستقرار وبفارق أهداف كبير ولا بد أن نحصل على مكافآت.. المصريون يحتاجون للطبطبة أكثر من أي وقت.. إنها فرض عين على الحكومة.. تحسبنا أغنياء من التعفف ولسنا كذلك.. لا بد من استدعاء أطباء سياسيين واقتصاديين لمداواة الجروح.. نريد أسطوانة أكسجين لرئة المصريين.
المرحلة القادمة وحتى انتهاء فترات حكم الرئيس السيسي تتطلب شفافية فى إيضاح أوجه إنفاق القروض وكيفية سدادها بعد ذلك.. ولا بد من إعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة التي تآكلت وكذلك الأخذ بعين الاعتبار تشكيل لجنة اقتراحات البرلمان بحيث تنفصل عما تطرحه الحكومة وتكون لها المبادرة فى طرح حلول لصالح المواطنين بعد أن اتضح أن معظم القوانين مقدمة من الحكومة.. فتحول البرلمان إلى مجلس الحكومة بدلًا من أن يكون ظهيرا للمواطن.
لذلك أقترح إنشاء وحدة تثقيف سياسى تابعة لرئاسة الجمهورية لتبصر الوزراء والمسؤولين والنواب بحساسيات القضايا الشائكة فلا يتحدث وزير الري عن وجود مياه جوفية تكفينا مائة عام فى ظل أزمة سد النهضة أو يقول عالم كبير إن هناك نهرا تحت الأرض أكبر من نهر النيل.. أو وزير التموين عندما قال ننظر للمواطنين بعين الإحسان.. التوقيت فى السياسة أهم من القرار هكذا علمونا.. وحدة التثقيف السياسي مهمتها تبصير المسؤولين بعدم التحدث بلغة فوقية مع المواطنين وإشعارهم أنهم يمثلون عبئًا على النظام.. مثلًا لا داعى أن يقول محافظ البنك المركزي: نحن نطبع «بنكنوت»، أو وزير المالية الذى يؤكد أننا مستمرون فى الاقتراض.. اللجنة عليها أيضا تثقيف المعارضة بأنها لن تكون خطبًا بلاغية ومقالات حماسية واستعراضًا للعضلات ولكنها ينبغي أن تكون من خلال برامج ورؤى تختلف عما تطرحه الحكومة وربما يكون فيها طوق نجاة.
لا مانع من صدور توجيه رئاسي بإنشاء حزب 23 يوليو ليكون حزب المعارضة الرئيسي وسينضم له الاشتراكيون والناصريون والليبراليون واختيار رئيس قوى للحزب مثل د. جودة عبدالخالق أو مصطفى حجازي.. ومن ثم فإني أقترح أن يبدأ الإصلاح بالخطاب الرئاسي السنوي فى البرلمان حيث يحمل بشائر للمواطنين مثل صرف 5 علاوات لأصحاب المعاشات تنفيذا لحكم القضاء وتطبيق التأمين الصحي فى 4 محافظات بالصعيد وإطلاق برنامج السيسي لتشغيل الشباب فى مصانع جديدة، ويحمل الخطاب مبادرتين، الأولى تشكيل حزب سياسى للشباب فقط من 25 إلى 40 عاما بدلًا من المؤتمرات وليشاركوا بالفعل وليس الكلام فى الحياة السياسية.. والأخرى هي «العامل والفلاح أولًا» وهما كفيلتان بدعم ركائز الحكم.
وفى المجال الإعلامي استحضار الآراء المعارضة الوطنية مرة أخرى للصحف والاستضافة فى التليفزيون، على أن يتم تقليص الخطوط الحمراء لأبعد حد، وقصرها على الجيش، وبهذا تزيد مساحة الحرية وإنشاء قنوات باللغات التركية والإيرانية تحت إشراف الأمن القومي بدلًا من الإعلاميين المحروقين غير المتخصصين والقنوات التي شفطت مليارات بلا نتيجة.. كل ذلك بجانب اجتماع شهري للرئيس مع الأحزاب والمعارضة ودعوة رموزها للجلوس بجواره وخلفه فى الاجتماعات والإسهام المتخصص فى قضايا الثقافة والفكر والتجديد الديني مع استبعاد الرموز التصادمية.