إيران وحزام «آية الله» الناسف المزيف .. بقلم الكاتب الإيراني أمير طاهري

إيران وحزام «آية الله» الناسف المزيف

شأن الأيديولوجيات الاستبدادية الأخري التي بدأت بشكل غامض في ستينات القرن الماضي، فقد حاولت الخمينية أن تغلف سبب وجودها بكلمة واحدة.

كانت الكلمة الأولي التي استخدمت ضد إصلاحات الشاه، بما في ذلك المساواة للنساء، وكذلك الأرض للفلاحين الذين لا يملكون أرضاً، هي كلمة «المشروعية» التي كان من المفترض أن ترمز إلي سيادة القانون الديني على التشريعات التي صنعها الإنسان.

وفي أوائل السبعينات، تبني آية الله كلمة أخري هي «الإسلام» وادعي أنه لن يسمح «بكلمة واحدة أكثر أو كلمة واحدة أقل».

وبحلول أواخر السبعينات، استبدلت بالكلمة السحرية كلمة أخري هي «انقلاب» وتعني بالفارسية «الثورة». ومع ذلك، سرعان ما فقدت الكلمة معناها حيث استبدل الحكام الجدد النخب الحاكمة المخلوعة وبدأت تتصرف أسوأ من النظام الساقط.

كانت الكلمة السحرية في الثمانينات هي «الحرب» التي قال الخميني إنها «بركة من الله» لتوجيه جيش يتألف من «عشرة ملايين رجل» لغزو الشرق الأوسط، بما في ذلك «الأضرحة المقدسة» في العراق، ومحو إسرائيل من علي الخريطة باعتبارها بداية «القضاء علي أميركا».

عندما تلاشت تلك الأحلام مع فجر الواقع، مثل الضباب الذي يتلاشي مع شروق الشمس، وضعت كلمة سر أخري وهي «المقاومة». لكن تلك الكلمة السحرية أثبتت أيضاً أنها جوفاء عندما قام «الإمام» بشرب وعاء السم الذي صنعه بيده، ووافق علي إنهاء الحرب مع العراق دون «تحرير» كربلاء أو القدس.

حاول خليفة الخميني، آية الله علي خامنئي، أن يفرض بصمته الأيديولوجية بتوسيع نطاق الكلمة الواحدة لتصبح ثلاث كلمات وهي «الحضارة الإسلامية الجديدة».

ولتعزيز شعاره، كتب آية الله «رسائل مفتوحة إلي شباب العالم»، داعياً إياهم إلي تبني النسخة الخمينية للإسلام كقالب لحضارة جديدة.

كما أنشأ مكتبا خاصا يرأسه الدكتور علي أكبر ولايتي طبيب النساء الذي تلقي تدريبه في الولايات المتحدة، مع ميزانية سخية بغرض الترويج للفكرة.

وبصفته الوظيفية الجديدة، توجه ولاياتي إلي القاهرة عام 2012 لتقديم المشورة للرئيس المصري محمد مرسي بحل الجيش، وإنشاء الحرس الثوري، والتوقيع علي تحالف مع طهران.

وفي الداخل، كانت الرسالة أن «الحضارة الإسلامية» الحالية والتي كانت بالطبع نتاج «المفكرين» الإيرانيين أصبحت متحجرة ولم تعد قادرة علي إيجاد «أنصار لمحمد يتوقون للشهادة». كان من الضروري تعليم الشباب التخلي عن مباهج الحياة العابرة والسعي إلي الشهادة التي تعد «أسمي إنجاز بشري».

بات من الواضح الآن أن شعار خامنئي المكون من ثلاث كلمات قد فشل في خلق أمواج في محيط الواقع الإنساني.

وخلافاً لتوقعاته، لم يقم شباب العالم بالوقوف صفوفا أمام سفارات الجمهورية الإسلامية للحصول علي كتيب إرشاداته الجديدة رغم أنها كانت توزع مجانا.

داخل إيران أصبح الإنتاج الثقافي، من الشعر إلي السينما ومروراً بالعمارة والموسيقي، فارغا بصورة متزايدة من أي محتوي إسلامي كان لديها من قبل. وفي هذا الإطار، رثي رحيم بور أزغدي، عضو المجلس الأعلي للثقافة الإسلامية في طهران، «الهيمنة الافتراضية للثقافة الغربية» علي حياة الناس في إيران.

وهكذا عندما استغل الإيرانيون الأسبوع الماضي رفع سعر البنزين ثلاثة أضعاف كذريعة للتنفيس عن غضبهم وإحباطهم، كان من الواضح أن شعار خامنئي المكون من ثلاث كلمات يجب أن يلحق بكلمات الخميني الأحادية في مقبرة «شيبوليث».

ونتيجة للانتفاضة الشعبية التي عمت أكثر من 100 مدينة، وفقا لوزارة الداخلية الإسلامية، بدأ خامنئي وفريقه يبحثون عن شعار جديد. في اليوم الثالث من الاحتجاجات التي استمرت أسبوعاً، والتي قد تستمر أو لا تستمر، وإن كان بإيقاع ووتيرة مختلفة، فقد جاءوا بشعار جديد وهو «الأمن». «الأمن هو خطنا الأحمر»، هكذا أعلنها خامنئي في إحدي خطبه أمام جمهور حضر بالأمر.

وقالت صحيفة «كيهان» اليومية التي تعكس آراء المرشد الأعلي، «لا يمكن أن تكون هناك حكومة ولا دولة من دون أمن». وفي مقال افتتاحي، تحدثت «كيهان» عن «نهب منازل الناس ومتاجرهم وحرق المكاتب الحكومية وقتل العديد من المواطنين الأبرياء».

من جانبه، دعا رئيس جماعة «حجة الإسلام» حسن روحاني الناس إلي المحافظة علي الأمن الذي يتمتعون به وعدم السماح «لمثيري الشغب الشريرين» بتقويضه.

ولتأكيد الادعاء بأن الانتفاضة تهدد الأمن القومي، أثار النظام شعوراً بعدم الأمان. ونشرت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة تقارير متطابقة يجري إعدادها من قبل ما يعرف بـ«غرفة النجوم» لترويج إشاعات عن مراكز التسوق ومحلات السوبر ماركت، التي يتم نهبها وسرقة فروع البنوك وإشعال النار فيها. كما زعموا أن «العملاء والقتلة الأجانب» نظموا وقادوا الاحتجاجات.

ولإتقان اللعبة، نصحت الحكومة أعضاء الجيش والأجهزة الأمنية بعدم الظهور في الأماكن العامة وحدهم، ونُصح رجال الدين الشيعة بعدم الظهور، وتجنب ارتداء الملابس التقليدية في الأماكن العامة كلما أمكن ذلك.

جري تعزيز الشعور بعدم الأمان الذي كان النظام يرغب في تأجيجه عندما «دعي» الجهاديون الأجانب إلي طهران لحضور مؤتمر الوحدة الإسلامية، وطلب منهم مغادرة إيران قبل الموعد المحدد؛ لأن الذهاب إلي «مشهد» و«ضريح الخميني» قد ألغي.

ومع ذلك، شأن جميع الشعارات الأخري التي استخدمتها النخبة الخمينية في السنوات الأربعين الماضية، فإن شعار «الأمن» يعتمد علي حزمة من الأكاذيب.


بقلم / الكاتب الإيراني أمير طاهري 


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.