أولادنا القُصَّر والمواقع الإباحية .. بقلم د. خليل فاضل

أولادنا القُصَّر والمواقع الإباحية

فغر الأطباء النفسانيون أفواههم دهشةً، لسماع أمهاتٍ قصدنهم بحثًا عن حل وعن ترميم، لضررٍ قد وقع علي أولادهن، نتيجة رؤية محتوي مواقع إباحية علي (لاب توب) الأخ الأكبر الذي نام وتركه مفتوحًا، أو موبايل الأب الذي نام علي نفسه علي الكنبة، أو (Ipad) المفتوح علي مثل تلك المواقع من أصدقاء يلعبون معهم.

أو أن أطفالًا في الخامسة من العمر وحتي سن البلوغ يتبادلون في المدرسة علي موبايلاتهم صورًا أو مقاطع فيديو تغتال براءتهم وتنال من طفولتهم، في الأساس نتيجة انخفاض معدلات الإشراف والتربية في البيت والمدرسة إلي الصفر، كما انتشر الجهل، والإهمال النفسي والتربوي.

صار الأمر أكثر انتشارًا إلي درجة الوباء في السن من 13-19 سنة (فترة المراهقة).

عند سؤال هؤلاء الأطفال والمراهقين، يجب ألا نسأل (فيم كنت تفكر؟) لكن لنا أن نسألهم (كيف تفكر الآن)، نحتاج إلي معرفة (كيف)، بدلًا من التعنيف، التوبيخ، أو الإهانة والضرب. إن مشاهدة تلك المواقع الإباحية توقف (مؤقتًا) تطور المخ وعملياته المعقدة ونموها في تلك المراحل الأولي الحساسة، بالضبط كأنها تدوس علي مفتاح الـPause.

إن القشرة المخية لأولادنا تتغير يوميًا ويستمر ذلك حتي سن الـ25 تقريبًا، فكل ما يراه أولادنا، وكل ما يحدث لهم يؤخذ في الاعتبار، فيما يخص عملية النمو الكامل للشخصية، الإدراك، والمعرفة، وأيضًا لتحديد أمور مستقبلية مهمة، ولا أنسي ذلك الشاب في العشرين من عمره والذي أكد أن زوجته لازم ولا بد أن تكون في شكل جسم غانيات البورنو، وفي كيفية أدائهن الجنسي المحترف.

مخ أولادنا حساس جدًا. تدلنا الأبحاث علي أن استجابات المخ لصور الحلوي أو النقود (ثقافة الثراء السريع) منبهة للمخ، فما بالك بتلك الصور الحساسة الزاهية العارية؟! هذا المخ الصغير يتأثر سلبًا وإيجابًا بالبيئة المحيطة به.

يتأثر المخ بالنجاح، بالفقد، بالتجارب الجديدة، بالعنف وبالفشل، لنا أن نعرف جيدًا أن الصدفة تلعب دورها وأن كثيرا من أولادنا لا يسعون عمدًا لمشاهدة أو متابعة تلك المواقع، بمعني أنهم يتعثرون فيها، لكن دورنا أن نحميهم من متابعتها والبحث عنها، ولن يكون هذا بقطع الإنترنت أو سحب الأجهزة لكن بحوار مهم، عاقل، رزين، عميق، يحترم الطفل كإنسان له وجوده واختلافه، وله كرامته وحياؤه، إذا حدثت المشاهدة المُحَرَّمة، وما يتبعها من سلوكيات جنسية فيها متعة ولذة فسيولوجية، قد تدعو إلي الإدمان عليها بلا توقف- فهنا يجب التدخل. وعند سؤال الصغار عن معني لما شاهدوه فجأة فقد تكون الإجابة (أحسسنا بالخوف، بالانزعاج، بالرعب، بالفزع، بالإهانة، وبالاستياء).

إن المخ عبارة عن مسارات عصبية كأسلاك الكهرباء وفيه أيضًا بحيرة كيمياء فيها الدوبامين مادة التفكير التي تحدد المستقبل.

ماذا نفعل إذن؟ يجب أن نعلِّم أولادنا كيفية خفض التوتر، بأن نسترخي نحن، ونتعلم ألا نخلق بيئة ضاغطة، ألا نرهقهم بالتوقعات الكُبري للتفوق في الدراسة، والبطولة في السباحة.

أن نقيم علاقات متوازنة مع أولادنا، فيها تجديد وتغيير، خروج من جو البيت والنادي، تفادي الشجارات الزوجية أمامهم، تعليمهم كيفية «إدارة الوقت» بتوزيعه علي الرياضة البدنية، الاسترخاء، مع الأصدقاء، الاستذكار وهكذا.

ويجب أن تكون هناك ضوابط متفق عليها حول استخدام التكنولوجيا بشكل أو بآخر، وأن يكون ذلك واضحًا وباتفاق بين الوالدين والأولاد.

كما أنه لا بد للوالدين أن يكونا مثالًا يحترمه أولادهما ويحترمون قراراتهما، لأن هناك آباء يلفون الحشيش في الصالة، وآخرين يحادثون أصحابهم بألفاظ نابية علي مسمع من أطفالهم. يجب الفصل بين الرغبات والاحتياجات.

فالمسألة صعبة، والطريق وعرة ولا زالت امامنا الكثير لحل مشاكلنا التعليمية .


بقلم د. خليل فاضل


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.