أشكال الاعتداء على شرع الله .. مانع من موانع محبة الله عبدًا
أشكال الاعتداء على شرع الله:
يمكن أن نستنبط من هذه الآية ألوانًا من الاعتداء، تتمثل فيما يلي:
1- أن تحريم الطيبات ضد شكرها كنِعَمٍ أنعم الله بها على عباده؛ بل لحصول تمام شكر النعمة لابد من التمتُّع بها، من دون الاستغراق فيها إلى آخر مدًى؛ بل بتوسط واعتدال، وذلك كما في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: ٣١]؛ فهنا اعتداءان على الشرع.. الأول: تحريم النعمة؛ لأنه تحريم الحلال، والثاني: الإسراف فيها؛ لأنه اعتداء على النفس بإفسادها وإمراضها بما لا تطيق، ثم بسلب الغير حقه في إنفاق الفضل عليه أو تركه له.
2- أنه ليس من الأدب رد نعمة المنعم؛ ولا يزال هذا دأبَ الناس.. يقولون للصغير: خذ من عمِّك. إذا امتنع عن قبول ما يعطيه إيَّاه، وكان الخلفاء والأمراء يغتاظون أشد الغيظ إذا لم يقبل بعض الناس عطاياهم، مع أن هؤلاء منعمِون؛ فكيف بالمنعم الحق سبحانه، وهو أكرم الأكرمين؟! فهذا اعتداء من حيث كونه لا يعمل بصفة الكرم والجود من صفات الكريم الجوَّاد سبحانه.
3- أن ردَّ النعمة كفر بها، وهو كفر أصغر، وقد شاع في دين الإسلام ضرب المثل على الكفر الأصغر بكفر النعمة. وهذا اعتداء من حيث ظلم النفس بالكفر، واعتداء على حق الله في قبول نِعَمه وإظهارها.. قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: ١١].
4- أن من الاعتداء قبول النعمة والتمتع بها، ثم إنكارها وجحدها؛ كحال قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: ٧٨].
5- أن تحريم الحلال هو اعتقاد لما لا يجوز في الدين، ووصم له بما ليس فيه؛ لأنه اعتقاد الحلال حرامًا، وفيه مشابهة أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم، وفي تحليل الحلال وتحريم الحرام بالوحي المعصوم عصمة من ذلك.
6- أن تحريم الحلال وتحليل الحرام كذب على الله تعالى؛ فالله أحل ما يقولون: إنه حرام، وحرَّم ما يقولون: إنه حلال. ومعلوم أن الكذب اعتداء؛ لأنه يضيِّع الحقوق أو يروم ذلك، والكذب على الله كفر.
7- أن تحريم الحلال يسد باب الإنفاق منه؛ إذ كيف ينفق مما يحرمه والله لا يقبل إلا طيِّبًا، والحرام غير طيِّب؟!
فهذه سبعة اعتداءات في آية واحدة. وبعضها -والله أعلم- مما يمنع من محبته تعالى العبد.. نعيذ أنفسنا وإيَّاك من ذلك. وإذن فمما يجب على الإنسان إزاء نعم المولى D ما يلي: قبول النعمة، والتمتع بها، واعتقاد حلها، وعدم الإسراف فيها، وشكر الله تعالى عليها، والتحديث بها، والإنفاق منها.
خلاصة هذا المانع:
1- الاعتداء على المؤمَّنين، أو المعاهدين، أو غير المعتدين؛ وبخاصة إذا كانوا غافلين وغير متوقعين الاعتداء.
2- الاعتداء على حق الله تعالى في الدعاء؛ إما بقطع الدعاء، أو بالدعاء بما لا يجوز، أو بسوء الأدب في الدعاء، أو بالدعاء على الأنفس والأولاد والأموال، أو بتعجُّل الإجابة، أو بعدم العزم، أو بتعجُّل العقوبة في الدنيا، أو بالموت، أو بالتشدق والدعاء بتفصيلات لا تجوز، أو بالدعاء في الشدة دون الرخاء، أو الرخاء دون الشدة، أو بدعاء غير مستحق الدعاء سبحانه.
3- الاعتداء على شرع الله، وذلك بتحريم ما أحل أو بتحليل ما حرم، وفيه ما هو مبيَّن أعلاه.