تعرف على أحب الأعمال إلى الله ... أسباب تحصيل محبة الله عبده

أسباب تحصيل محبة الله عبده

السبب الأول لتحصيل محبَّةِ اللهِ عبْدَه

الإيمانُ باللهِ تعالَى والصلاة على وقتها

أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى:

عن قتادة عن رجل من خثعم، قال: أتيت النبي ﷺ وهو في نفر من أصحابه، قال: قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: قلت يا رسول الله! أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «إيمانٌ بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم صلة الرحم»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغَضُ إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله»، قال: قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم قطيعة الرحم»، قال: قلت يا رسول الله! ثم مه؟ قال: «ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»([1]).

وعن عبد الله بن مسعود I قال: سألتُ النبي ﷺ: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قال: ثم أيّ؟ قال: «ثم بِرُّ الوالِدَين». قال: ثم أيّ؟ قال: «الجهادُ في سَبِيلِ الله». قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادَنِي([2]).

قال الإمام النووي T: باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال؛ أما أحاديث الباب، فعن أبي هريرة وأبي ذر وعبد الله بن مسعود M قال: سئل رسول الله ﷺ: أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»([3]). وفي رواية: «إيمان بالله ورسوله». وفي رواية: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله»([4]).

وفي رواية: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، فما تركت أستزيده إرعاءً عليه. وفي رواية: لو استزدته لزادني([5]).

وكثيرةٌ هي الأعمال التي وُصِفت بأنها أحب الأعمال إلى الله تعالى، ومنها: المداومة على العمل الصالح وإن قلَّ، وكثرة السجود لله تعالى، وأن يموت ذاكرًا لله تعالى، والصلوات لمواقيتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد.. وأدلة ذلك قوله ﷺ: «وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل»([6])، وقال ثوبان I لرسول الله: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو بأحب الأعمال إلى الله.

فقال: «عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة»([7])، وعن أبي الدرداء مثله([8])، وعن معاذ بن جبل I قال: سألت رسول الله ﷺ: أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «أن تموت ولسانُك رطبٌ من ذكر الله»([9])، وعن عبدِ الله بن مسعود I قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلوات لمواقيتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم الجهاد»، ولو استزدته لزادني([10]).

فقد تعدَّد ذِكْر أحبِّ الأعمال إلى الله سبحانه وأفضلها وخيرها، وكذا أحبُّ الناس إليه تعالى، في السُّنَّة الصحيحة التي لا تُدْفَع؛ مما أشكل على بعضهم، وما حدا بالعلماء إلى محاولة الجمع بين المختلفات بما يُقوِّي الإيمان ويَدْفَع الشك.. قال الحافظ ابن حجر T: ومحصّل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوِبةُ بأنه أفضل الأعمال: أن الجواب اختلَف.

1- لاختلاف أحوال السائلين؛ بأنْ أعلَمَ كلَّ قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبةٌ، أو بما هو لائِقٌ بهم.

2- أو كان الاختلافُ باختلافِ الأوقات؛ بأنْ يكون العملُ في ذلك الوقت أفضلَ منه في غيرِه؛ فقد كان الجهادُ في ابتداء الإسلام أفضلَ الأعمال؛ لأنه الوسيلةُ إلى القيام بها، والتمكن من أدائها. وقد تضافرت النصوصُ على أن الصلاةَ أفضلُ من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطَر تكون الصدقةُ أفضل.

أي أنَّ لكلِّ عملٍ وقتًا هو أحبُّ ما يمكن عمله فيه؛ فإذا كان المسلم يذكر الله تعالى أو يتلو القرآن -مثلًا- ثم دخل وقت الصلاة، فإن إقام الصلاة وقتئذٍ هو أحب الأعمال إلى الله، وكذا كل عملٍ أمر به الله تعالى دخل وقته هو أحب الأعمال إليه سبحانه في هذا الوقت؛

فإن دخل وقت العصر -مثلًا- فذهب المسلم بصدقة ليعطيها مستحقًّا؛ فإن هذا العمل الأخير إحسانٌ لكنه لا يحبه الله تعالى حالئذٍ؛ لأنه صرف عما يحبه الله سبحانه وما هو أحب إليه تعالى. يدل لهذا حديث عمرو بن عبسة I قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: هل من ساعة أحب إلى الله من أخرى؟ قال: «نعم، جوف الليل الأوسط؛ فصل ما بدا لك حتى يطلع الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت كأنها حجفة حتى تبشبش، ثم صل ما بدا لك حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزيغ الشمس؛

فإن جهنم تسجر نصف النهار، ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر، ثم انته حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان»([11])، وحديث ابن عباس L قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»([12])، وقد فسر كثير من العلماء العمل الصالح هنا بالصوم، وسيأتي بشرحه فيما بعد إن شاء الله.

3- أو أن «أفضل» ليست على بابها؛ بل المرادُ بها الفضل المطلق.

4- أو المراد «من أفضل الأعمال»؛ فحذفت «مِن» وهي مرادة.

5- وقال ابن دقيق العيد: الأعمال في هذا الحديث محمولةٌ على البدنيَّة، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب؛ فلا تعارضَ حينئذٍ بينه وبين حديث أبي هريرة: «أفضل الأعمال إيمانٌ بالله»([1]) الحديث.

6- وقال غيره: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عينٍ؛ لأنه يتوقف على إذن الوالِدَين؛ فيكون بِرُّهما مقدَّمًا عليه([2]).

وقس على ذلك ما جاء بلفظ «خير» أو بلفظ «أحب» ونحوهما؛ ففي هذا الحديث -مثلًا- أحب الأعمال إلى الله سبحانه: الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله. فلا تعارض -إذن- بين أحاديث أحب الأعمال وخير الأعمال وأفضل الأعمال؛ فإن الأفضل هو الأحب وهو الخير. ولكننا في هذا الكتاب اقتصرنا على ما جاء أنه الأحب إلى الله تعالى أو أنه سبحانه يحبُّه؛ كيلا يطول الكتاب، مع بقاء رجائنا أن ييسِّر الله بآخر حول أفضل الأعمال وخيرها.

فلا تعارض بين حديث ابن مسعود وحديث الرجل من خثعم؛ لأن الصلاة الواردة أوَّلًا في الأوَّل داخلة في الإيمان الوارد أولًا في الثاني، وبر الوالدين الوارد ثانيًا في الأول داخل في صلة الرحم الواردة ثانيًا في الثاني، والجهاد الوارد ثالثًا في الأول داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد ثالثًا في بعض روايات الثاني، وعكس الثلاثة المحتوي عليها حديث ابن مسعود وإن لم يذكرها صراحةً داخلة في عكس الثلاثة الواردة في الشطر الثاني من حديث الرجل من خثعم دخولًا شرعيًّا وعقليًّا؛ فبين الحديثين خصوص وعموم، وبذا تنسجم الشريعة مع نفسها ويوافقها العقل ويوافق نفسَه.

ولذا سنتحدث عن كلِّ عمومٍ من هذه الثلاثة ثم نتبعه خصوصه؛ الإيمان فالصلاة، ثم صلة الأرحام فبر الوالدين، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالجهاد في سبيل الله.

أولاً- الإيمان بالله تعالى وحدَه، وقوَّة الإيمان:

عن قتادةَ عن رجل من خثعم، قال: أتيت النبي ﷺ وهو في نَفَرٍ من أصحابه، قال: قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: «نعم»، قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «إيمانٌ بالله»([3]). وعن أبي هريرةَ I قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ»([4]).

قال النووي T: قوله ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»، والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة؛ فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدوِّ في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه

وأشدَّ عزيمةً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاقِّ في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك.

وأما قوله ﷺ: «وفي كلٍّ خير»؛ فمعناه: في كلٍّ من القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات([5]).

وقال العجلوني: ولا يعارضه -أي حديث «المؤمن القوي»- ما عند البخاري في «تاريخه» عن أنس: «المؤمن ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره»؛ فإن المراد بالقوي في الحديث الأول القوة في الدين وفيما يوافق الشرع، وبالضعيف في الثاني الضعيف في أمور الدنيا وما لا نفع فيه([6]).

ثانيًا- الصلاة على وقتها:

عن عبد الله بن مسعود I قال: سألتُ النبي ﷺ: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قال: ثم أيّ؟ قال: «ثم بِرُّ الوالِدَين». قال: ثم أيّ؟ قال: «الجهادُ في سَبِيلِ الله». قال: حدثني بهن ولو استزدتُه لزادَنِي([7]).

وإنما كانت «الصلاة على وقتها» أحب الأعمال إلى الله تعالى؛ لأنها متضمِّنةٌ لما قبلها ومَبِنيٌّ عليها ما بعدها من أسباب تحصيل محبَّة الله عبادَه، ولم يسبقها إلا الشهادتان بحسب حديث أركان الإسلام، والطهارة لكونها من شروطها؛ ولذا لا يعارَض حديث «الصلاة على وقتها» بحديث: «وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله»([8]).

ولا بحديث أبي هريرة I قال: سئل رسول الله ﷺ: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قال: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»، وفي رواية محمد بن جعفر قال: «إيمان بالله ورسوله»([9])؛ لتضمُّن الفاتحة -وهي ركن في الصلاة- للتوحيد، ولوجود «لا إله إلا الله» في التشهد الذي هو جزء منها.

قال الحافظ T: قوله: «الصلاة على وقتها».. قال ابن بطال: فيه أن البدار إلى الصلاة في أول أوقاتها أفضل من التراخي فيها؛ لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحبَّ الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب. قلت: وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر. قال ابن دقيق العيد: ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أوَّلًا ولا آخرًا، وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاءً. وتُعِقِّب بأن إخراجها عن وقتها محرَّم، ولفظ «أحبُّ» يقتضي المشاركة في الاستحباب.

فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخرَ الوقت، وأجيب بأن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال؛ فإن وقعت أحبُّ إلى الله من غيرها من الأعمال؛ فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي، فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم، ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبًا؛ لكن إيقاعها في الوقت أحبُّ([10]).


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.
(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).
(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.
(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.
(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).
(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.
(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).
(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).
(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).
(10) «أدب الإملاء والاستملاء» لعبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي أبي سعد (المتوفى 562هـ) تحقيق: ماكس فيسفيلر ط1 دار الكتب العلمية - بيروت 1401هـ.
(11) «الأدب المفرد بالتعليقات» لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبي عبد الله (المتوفى 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مستفيدًا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث: محمد ناصر الدين الألباني ط1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض 1419هـ.
(12) «الأربعين الصغري» لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني أبي بكر البيهقي (المتوفى 458هـ) تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري ط1 دار الكتاب العربي 1408هـ.

بقلم / محمد صقر 


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.