إسبالُ الإزار، وبخاصة في الصلاة

أحاديث في الخيلاء والفخر

محمد صقر

إسبالُ الإزار، وبخاصة في الصلاة

كما في حديث أبي تميمة الهجيمي الآتي: سألت عن الإزار فقلت: أين أتزر؟ فأَقْنَعَ -أي رسول الله ﷺ- ظهْرَه بعظم ساقه، وقال: «هاهنا أتزر، فإن أبيت فهاهنا» أسفل من ذلك، «فإن أبيت فهاهنا»، فوق الكعبين، «فإن أبيت فإن الله D لا يحب كل مختال فخور»([8]).

وحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَ بِحُجْزَةِ سُفْيَانَ بْنِ سَهْلٍ الثَّقَفِيِّ، فَقَالَ: «يَا سُفْيَانُ! لَا تُسْبِلْ إِزَارَكَ؛ فَإِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ»([9]).

وحديث ابن مسعود I قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من أسبل إزاره في صلاته خيلاء؛ فليس من الله جل ذكره في حلٍّ ولا حرام»([10]).

فيؤخذ من هذه الأحاديث الثلاثة، إلى جانب أحاديث أخرى كثيرةٍ وصحيحة، جملةُ معانٍ جليلةٍ، منها:

1- حرمة الإسبال مطلقًا، وأخصُّ منها حرمة الإسبال اختيالًا، وأخصُّ منهما حرمة الإسبال في الصلاة.. الأول لمعانٍ غير الاختيال؛ كالإسراف ونحوه، والثاني لتلك المعاني وللاختيال أيضًا، والثالث لحلول هذه الرذائل في محلٍّ هو أبعد وأنزه ما يكون منها، ألا وهو الصلاة.

2- كما يستدل من الحديث الأول على حد طول اللباس الشرعي للرجال؛ لأن للنساء حكمًا آخر، وحدُّ الإسبال أن يلامس الإزار الكعبين. وكعب الإنسان: ما أشرف فوق رسغه عند قدمه، وقيل: هو العظم الناشز فوق قدمه، وقيل: هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وأنكر الأصمعي قول الناس: إنه في ظهر القدم، وهو مذهب الشيعة.. قال ابن الأثير: الكعبان العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم([11]).

3- ثم إن في أطوال الإزار مباحًا ومحرَّمًا؛ فالمباح ما كان فوق الكعبين، والمحرم ما لامسهما أو تدلَّى عنهما.

4- أن في المباح من طول الإزار ما هو أفضل وما هو مفضول؛ فالأفضل ما كان إلى عظم الساق، والمفضول مع حلِّه ما كان فوق الكعبين، وبينهما حالٌ وسط.

5- وفي زماننا تقصيرٌ شديد في التزام هذا الأمر الشرعيِّ، ثم إن هناك هُزءًا وسخريةً ممن يلتزمه، وهذان بالمسلم سبَّةٌ؛ أن يجهل أو يتجاهل أمرًا شرعيًّا واضحًا، وأن يسخر من ملتزِم الشرع العامل بمقتضاه.

جملة أحاديث في الخيلاء والفخر:

1- عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه، قال: لقيت رسول الله ﷺ في بعض طرق المدينة وعليه إزار من قطن منتثر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا رسول الله؛ فقال: «إن عليك السلام تحية الموتى، إن عليك السلام تحية الموتى، سلام عليكم سلام عليكم -مرتين أو ثلاثًا هكذا-»؛ قال: سألت عن الإزار، فقلت: أين أتزر؟ فأقنع ظهره بعظم ساقه، وقال: «هاهنا أتزر، فإن أبيت فهاهنا» أسفل من ذلك، «فإن أبيت فهاهنا»، فوق الكعبين، «فإن أبيت فإن الله D لا يحب كل مختال فخور»، قال: وسألته عن المعروف فقال: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تعطي صلة الحبل.

ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تنـزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، وإن سبَّك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه؛ فلا تسبه فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه»([1]).

2- وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: بلغني عن أبي ذر حديثٌ، فكنت أحب أن ألقاه فلقيته، فقلت له: يا أبا ذر! بلغني عنك حديثٌ فكنت أحب أن ألقاك فأسألك عنه. فقال: قد لقيتَ فاسأل. قال: قلت: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ثلاثة يحبهم اللهوثلاثة يبغضهم الله D»، قال: نعم. قال: فما إخالُني أكذب على خليلي محمد ﷺ؛ ثلاثًا يقولها.

قال: قلت: من الثلاثة الذين يحبهم الله D؟ قال: «رجل غزا في سبيل الله فلَقِي العدو مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدون في كتاب الله D: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: ٤]، ورجل له جارٌ يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يكفيَه الله إيَّاه بموت أو حياة، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى أو النعاس، فينـزِلون في آخر الليل فيقوم إلى وضوئه وصلاته».

قال: قلت: من الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: «الفخور المختال، وأنتم تجدون في كتاب الله D: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨]، والبخيل المنَّان، والتاجر والبياع الحلاف»([2]).

3- وحدَّث عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة، فأتيت ابنة ثابت بن قيس بن شماس فذكرت قصة أبيها، قالت: لما أنزل الله على رسوله ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: ٢] الآية، وآية: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: ٢٣]؛ جلس أبي في بيته يبكي، ففقده رسول الله ﷺ، فسأله عن أمره فقال: إني امرؤٌ جهير الصوت وأخاف أن يكون قد حبط عملي؛ فقال: «بل تعيش حميدًا، وتموت شهيدًاز

ويدخلك الله الجنة بسلام»، فلما كان يوم اليمامة مع خالد بن الوليد استشهد، فرآه رجل من المسلمين في منامِه فقال: إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين، وخبأه في أقصى العسكر وهو عنده، وقد أكب على الدرع بُرْمةٌ وجعل على البرمة رحلًا؛ فأت الأمير فأخبره، وإياك أن تقول: هذا حلم.

فتضيعه، وإذا أتيت المدينة فأت فقل لخليفة رسول الله ﷺ: إن عليَّ من الدين كذا وكذا، وغلامي فلانٌ من رقيقي عتيق. وإيَّاك أن تقول: هذا حلم.

فتضيعه. قال: فأتاه فأخبره الخبر؛ فوجد الأمر على ما أخبره، وأتى أبا بكر فأخبره فأنفذ وصيته، فلا نعلم أحدًا بعدما مات أُنفذ وصيتُه غيرَ ثابت بن قيس بن شماس([3]).

4- وعن أبي هريرة I، عن النبي ﷺ قال: «بينما رجل ممن كان قبلكم شابًّا يمشي في حلةٍ يتبختر مختالًا فخورًا؛ ابتلعته الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة»([4]).

5- وعنه I، أن رسول الله ﷺ قال: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم»([5]).

6- وعن ابن مسعود I قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من أسبل إزارَه في صلاتِه خيلاء؛ فليس من الله جلَّ ذكرُه في حلٍّ ولا حرام»([6]).

7- وعن جابر بن عتيك I، أن نبي الله ﷺ كان يقول: «وإن من الخيلاء ما يبغَضُ اللهُ، ومنها ما يحب الله؛ فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض اللهُ D فاختياله في البغي».. قال موسى: «والفخر»([7]).

8- وعن عبد الله بن عمر L، أن رسول الله قال: «من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة»([8]).

9- وكان صحابة رسول الله ﷺ يخشون على أنفسهم الاختيال ويفرون منه، ومن الأسباب الجالبة له أو الحاملة عليه؛ فعن قرعة قال: رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة -أو خشبة- فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إني أتيتك بثوب ليِّن مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك؛ فإن عليك ثيابًا خشنة -أو خشبة- فقال: أرنيه حتى أنظر إليه. قال: فلمسه بيده وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أن أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور([9]).

خلاصة هذا المانع:

جماع الصفات والأعمال التي لا يحبها الله ولا يحب المتصف بها وآتيها مما في هذا المانع؛ ما يلي:

1- الكفر بالله تعالى.

2- الكفر باليوم الآخر.

3- البخل.

4- حث الناس على البخل.

5- كتمان النعم وإخفاؤها.

6-كفر النعمة.

7- الرياء.

8- الأنس بالشياطين.

9- تصعير الخدِّ للناس كبْرًا وعجبًا في ذات النفس واحتقارًا للناس.

10- المشي في الأرض مرحًا؛ أي: تبختُرًا وعجبًا.

11- القنوط من رحمة الله.

12- البطر بأنعم الله.

13- الاختيال في البغي وفي الفخر.

14- الفقير المختال أكثر بغضًا إلى الله تعالى.

15- بخل الغني خاصة. 16- المنُّ بالصدقة.

17- ظلم الغني بمنع الحقوق التي في ماله، أو بأخذ مال غيره ربًا أو غشًّا أو بغير ذلك من أشكال الكسب الحرام.

18- التشدق والتفيهق في الكلام.

19- إسبال الإزار، وخاصة في الصلاة.


(1) «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ) تقديم: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبي تميم ياسر بن إبراهيم ط1 دار الوطن للنشر - الرياض 1420هـ.


(2) «الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» لزين الدين محمد المدعو بعبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) شرحه محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهري (المتوفى 1367هـ) باسم «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط - طالب عواد ط. دار ابن كثير - دمشق وبيروت (د. ت).


(3) «الآحاد والمثاني» لأبي بكر بن أبي عاصم، وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى 287هـ) تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة ط1 دار الراية - الرياض 1411هـ.


(4) «الأحاديث المختارة» أو «المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما» لأبي عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى 643هـ) تحقيق: معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ط3 دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1420هـ.


(5) «أحكام القرآن» لإلكيا الهراس (المتوفى 504هـ) تحقيق: موسى محمد علي، وعزة عبد عطية ط2 دار الكتب العلمية- بيروت (د. ت).


(6) «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ط3 دار الكتب العلمية - بيروت 1424هـ.


(7) «الإحكام في أصول الأحكام» لأبي الحسن الآمدي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي - بيروت ودمشق (د. ت).


(8) «إحياء علوم الدين» لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى 505هـ) ط. دار المعرفة - بيروت (د. ت).


(9) «الأخوة الإيمانية» للدكتور سعيد عبد العظيم ط. دار الإيمان بالإسكندرية (د. ت).


تواصل مع فريق عمل أثر بالضغط هنا.