يقول فقهاء اللغة العربية، إن مصدر جدد، ومن مادته جد الشىء جِدة بالكسر فهو جديد وهو خلاف القديم، وجدد فلان الأمر وأجده واستجده إذا أحدثه فتجدد.
التجديد فى الفقه والفتوى
فالتجديد وفق هذا المعنى يعنى وجود شىء كان على حالة من الحالات ثم تقادم عليه الزمن أو طرأ عليه ما غيَّره، فإذا أعيد إلى حالته قبل أن يصيبه البلى ويدركه التغيير كان ذلك تجديدًا. فالمفهوم اللغوى للتجديد أنه تحديث لما هو قائم بالفعل، وليس إحداثا أو إحلالا.
روى الإمام أحمد فى مسنده عن رسول الله ﷺ قَالَ: «جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ الله وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله».
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ قَالَ: «إِنَّ الله يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». وتجديد الدين يعنى بعثه وإحياؤه وإعادته إلى الفاعلية فى واقع حياة الناس.
ويعنى فى الفقه خاصة تنزيل الأحكام الشرعية على ما يجد من وقائع وأحداث ومعالجتها معالجة نابعة من هدى الوحى.
ويعنى تجديد أصول الفقه إعادة تلك الأصول إلى الحالة المنهجية التى يستجيب بمقتضاها المجتهد لمقتضيات العصر ومتطلباته من حيث سلامة موازينه ومرونة رؤيته مع احتفاظه بأصالته وانضباطه.
وأصول الفقه من مكونات العقلية الإسلامية وهى معبرة عن مناهج الاجتهاد فى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس، ولذلك فإن الأصول تتجدد ولا تتغير، لأنها معبرة عن هوية الدين.
وتجديد الفتوى مرتبط بتجديد أصول الفقه ومن ثم تجديد الفقه، ولكنها تتغير وهما لا يتغيران، والفتوى إن صدرت بناءً على مراعاة للأصول وموافقة للظروف والوقائع التى قيلت بها فإنها سليمة تبقى على ما هى عليه كجزء من فقه الواقع، ولكنها تستبدل وتتغير بفتوى جديدة حينما تؤسس على واقع مختلف وأحوال جديدة.
والاجتهاد فرض كفاية فى النوازل، ومندوب إليه فى كل حال، والاجتهاد هو إعمال العقل والتجديد فى الفكر والمنهج، بالإضافة والمرونة والانتقال من أصل إلى آخر، ومراعاة المآلات وتحقيق المقاصد، والتجديد يكون بالارتباط بالأصول وتطبيق الأحكام على الوجه الذى يحقق مصالح العباد فى المعاش والمعاد.
والاجتهاد يكون ببذل الفقيه جهده فى استنباط الحكم المناسب والملائم للوقائع المتجددة من الأدلة الشرعية والنصوص، وهذا أمر مستمر يمثل واجب الوقت بالنسبة إلى فقهاء كل عصر، أما أن يفكر علماء عصر أن يعيشوا عالة على مجهودات واجتهادات من سبقهم يلوكونها ويرددونها ويفرضونها على وقائع متغيرة متجددة وظروف وأحوال وأشخاص مختلفين فهذا لون من الكسل، ونمط من التفريط والتخاذل عن نصرة الشريعة وإحيائها.
فإذا تكررت الواقعة للمجتهد وتجدد له ما يقتضى الرجوع عما ظنه فيها أولًا، ولم يكن ذاكرًا للدليل الأول؛ وجب عليه تجديد النظر فيها قطعًا، وكذا يجب تجديده إن لم يتجدد ما يقتضى الرجوع، ولم يكن ذاكرًا للدليل، إذ لو أخذ بالأول من غير نظر حيث لم يذكر الدليل كان آخذًا بشىء من غير دليل يدل عليه، والدليل الأول بعدم تذكره لا ثقة ببقاء الظن منه.
وهناك من العلماء من يقف أمام دعوى التجديد ويرفضها لمجموعة من الدعاوى، منها أن علم الأصول قد كمل واكتمل ولم يعد فيه مجال للتجديد، ونحن نرد على هذه الدعوى ونؤكد على حاجة علم الأصول للتجديد والإصلاح فى الشكل والجوهر وقابليته أيضًا لذلك التجديد، ولكنا نحتاج إلى تحديد آلية ذلك التجديد ووضع ضوابطه، ولا يصح لهم أن يتخذوا من انحراف المنحرفين الذين اتخذوا من دعوى التجديد طريقًا لهدم الدين والتفلت منه ذريعة للوقوف أمام التجديد بالكلية.
وأوضح الدلائل التى تشير إلى حاجة الأصول إلى التجديد هو ما نلقاه من تخبط بعض المتصدرين للفتوى ممن ليسوا لها أهلًا وقصورهم عن تلبية حاجة عصرهم، وتقديم الاجتهادات المناسبة لحل المشكلات المستجدة، فبعضهم توقف عند اجترار المسائل القديمة التى ضاقت بها الأحوال والظروف الحالية، ويردد أقوال محصورة داخل دائرة زمانية ضيقة، لا يسع الإنسان المسلم المعاصر أن يعيش فيها ويتمسك بها، وبعضهم الآخر يخرج على الثوابت ويطعن فيها تشكيكًا وتفلتًا.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ:«إن الإيمان ليخلق فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم».